منذ بروز نتائج الإنتخابات النيابية الماضية، طرحت الكثير من الأسئلة حول التوازنات التي أفرزتها، لا سيما لناحية القدرة على ضبط إيقاع الجلسات البرلمانيّة من قبل رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، الذي كان يعتبر تاريخياً "مايسترو" الحياة السياسية اللبنانية، ما خوّله لعب دور قناة الإتصال بين الأفرقاء المتخاصمين منذ بداية الإنقسام العامودي، بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، في العام 2005.

برلمان 2022، كان صورة عن واقع جديد في البلاد التي كانت قد شهدت حراكاً كبيراً انطلق في 17 تشرين الأول من العام 2019، حيث كان رئيس ​المجلس النيابي​ من أبرز الشخصيات المستهدفة في شعارات المتظاهرين، الأمر الذي ترك تداعيات على نتائج الإنتخابات في بعض الدوائر، خصوصاً الجنوب الثالثة التي خسر فيها بري مرشحين بارزين، في مواجهة نائبين يمثلان القوى التغييرية.

منذ الجلسة الأولى لهذا البرلمان، تشير مصادر سيّاسية متابعة عبر "النشرة"، كان من الواضح أن رئيس المجلس النيابي سيكون أمام مرحلة جديدة على مستوى كيفية إدارته له، حيث كان التحدي الأبرز حيال إنتخابه من الدورة الأولى، خصوصاً أن غالبية القوى المسيحية قررت عدم التصويت له، الأمر الذي تم، بحسب الوصف على "الحفّة"، نظراً إلى أنه نال في تلك الدورة 65 صوتاً، في حين كان من الممكن أن يذهب إلى الدورة الثانية، فيما لو قرر أحد النواب المؤيّدين حجب صوته عنه.

بعد ذلك، توضح المصادر نفسها، انه كان على بري مواجهة تحديات أخرى، أبرزها كيفية التعامل مع مجموعة واسعة من النواب، الذين أرادوا فرض نمط جديد من العمل داخل قبة البرلمان، الأمر الذي ترك تداعيات كبيرة أظهرت، في العديد من المناسبات أن الأمور تخرج عن السيطرة، قبل تطور المعادلة لاحقاً مع دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي، بعد إنتهاء ولاية الرئيس السابق ​ميشال عون​، سواء كان ذلك على المستوى السياسي العام أو على مستوى العمل البرلماني الخاص.

طوال سنوات عهد عون الست، كان رئيس المجلس النيابي، الذي لم يكن يفضل إنتخابه رئيساً للجمهورية، يلعب دور المعارض الأبرز، ما دفع "​التيار الوطني الحر​"، في أكثر من مناسبة، إلى تحميله مسؤولية ما آلت إليه الأمور في ولاية مؤسسه، وبالتالي كان من الطبيعي إنتظار الخطوات التي سيقدم عليها على مستوى ​الإستحقاق الرئاسي​ الجديد.

منذ ما قبل جلسة الإنتخاب الأولى، أظهر بري رغبة كبيرة في إنتخاب رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ رئيساً، لكنه لم يكن يريد أن يدخله بازار الصراع العددي، مفضّلاً إنتظار ظروف مناسبة، تحديداً إقليمية ودوليّة، من أجل الدفع به إلى الواجهة، الأمر الذي ظهر عبر الإعلان الرسمي عن تبني ترشيحه، قبل أيام قليلة من الكشف عن الإتفاق السعودي الإيراني برعاية صينيّة.

في هذا الإطار، تلفت المصادر السياسية المتابعة إلى عدّة نقاط ينبغي التوقف عندها، أبرزها رفض قوى سياسية، تحديداً المسيحية منها، الذهاب إلى حوار برعاية رئيس المجلس النيابي، الأمر الذي ترك، دون أدنى شك، ندوباً على دوره، بالإضافة إلى تعطيله المسار العام الذي يفضّله، بالنسبة إلى التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي، حيث أظهرت القوى المسيحية أنّ مفتاح البرلمان بات في يدها، وبالتالي لا يمكن عقد أي جلسة ما لم تقرر كتلة مسيحيّة وازنة المشاركة فيها.

أما على مستوى المعركة الرئاسية الراهنة، فتشير المصادر نفسها إلى أنّ ما يحصل اليوم يستدعي التوقف عنده، لا سيما أن بري يواجه واقعاً جديداً ينبع من العلاقة مع الحلفاء في مرحلة مفصلية بالدرجة الأولى، فرئيس الحكومة السابق سعد الحريري خارج الحياة السياسية، أما رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​، الذي كان يعلن مراراً أن رئيس المجلس النيابي حليفه الوحيد، قرر الإصطفاف في الجبهة المقابلة، والتصويت لصالح المنافس لفرنجيّة الوزير السابق ​جهاد أزعور​.

في المحصّلة، الجلسة الرئاسية الثانية عشر، يوم الأربعاء المقبل، قد تكون هي التحدي الأكبر، من وجهة نظر هذه المصادر، نظراً إلى أنها تنعقد على وقع إنقسام خطير دفع البعض إلى تشبيه بذلك الذي كان قائماً قبل أحداث السابع من أيار من العام 2008، حيث ستكون كل الأنظار متجهة إلى رئيس المجلس النيابي، لمراقبة كيفية إدارته جلسة قد تنقل البلاد إلى مرحلة جديدة.