كشف رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل لـ"اندبندنت عربية" عن تخوفه من عودة الاغتيالات محملا "حزب الله" مسؤولية ما قد يحصل.

وشرح الجميل الذي كان له دور أساس في وصول قوى المعارضة إلى مرشح "التقاطع" مع "التيار الوطني الحر" أن الأمور رست على أزعور بعد أن أظهرت الاتصالات التي قام بها حزب "الكتائب" مع كل الفرقاء، ألا فيتو ولا اعتراض عليه من أحد، كما أنه يتمتع بمواصفات شخصية جيدة وهو شخص معتدل، وليس طرفاً مع أي فريق، ولديه خبرة اقتصادية وقدرة على مواجهة الملف الاقتصادي، كما يتمتع بخبرة سياسية، ويعرف اللاعبين السياسيين في لبنان، بالتالي يمكن أن ينطلق من مكان جيد.

وتابع الجميل "عندما لمسنا هذا التقاطع على اسمه انتقلنا إلى التفاصيل، وحاولنا تذليل كل العقبات المتعلقة بإقناع القوى كافة أن التقاطع مع التيار هو لمصلحتنا". ويعترف الجميل أن المشكلة الأساسية في البداية كانت غياب الثقة بين الجميع، معتبراً "أن هذا أمر طبيعي خصوصاً أننا نتعاطى مع فريق ليس معنا في ال​سياسة​". وكشف عن أن النقاش كان يتمحور حول سؤال أساسي، هل التقاطع مع "التيار الوطني الحر" أمر إيجابي أم سلبي؟ وهل يساعد في تقوية فرص المواجهة في وجه مرشح حزب الله؟ وأضاف الجميل "بالنسبة إلينا اعتبرنا أن الخلاف الشخصي بين النائب جبران باسيل ورئيس تيار المردة هو مكسب فلماذا لا نستفيد منه؟ كما أن الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله يمكن أن نستفيد منه أيضاً، وسعينا إلى أن نجمع العدد الأكبر لصد عملية فرض مرشح حزب الله علينا، خصوصاً بعد أن شعرنا في الفترة الأخيرة أن هناك تواطؤاً يبدأ في لبنان وينتهي في الخارج لدعم ترشيح فرنجية، وهذا ما دفعنا إلى استخدام كل الوسائل المتاحة بين يدينا لمواجهة هذا الترشيح".

ويؤكد الجميل أن مواجهة فرنجية لا تنطلق من مشكلة شخصية معه بل المشكلة هي في أن وصوله إلى القصر الجمهوري يعني أن "حزب الله" صار هو المقرر لهوية رئيس لبنان.

ولا ينفي رئيس حزب "الكتائب" أنهم تعاطوا بحذر في مسألة التقاطع مع "التيار الوطني الحر"، لكن النقاش المستمر داخل قوى المعارضة ومع "التيار" أظهر أن هناك مصلحة مشتركة لصد محاولة "حزب الله" بفرض سليمان فرنجية، ووصلنا إلى قناعة بأن المكسب من التقاطع على مرشح واحد مع "التيار الوطني الحر" أكبر بكثير من عدم التلاقي معه. ويؤكد الجميل أنه باتت هناك مجموعة صلبة مؤلفة من "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وحركة "تجدد" وعدد من "التغييريين" والمستقلين، وهي تقاطعت على مدير الشرق الأوسط وآسيا في صندوق النقد الدولي مع "اللقاء الديمقراطي" (تكتل الحزب التقدمي الاشتراكي) و"التيار الوطني الحر" وقررت التصدي لفرض "حزب الله" مرشحه.

ويدافع الجميل عن مرشحهم الجديد ويرد على اتهام أزعور بأنه من المنظومة السياسية الفاسدة وشارك في السياسة المالية التي أوصلت البلاد إلى الخراب ويقول "ليس من الواقع في مكان أن نعتبر أن كل إنسان تعاطى سياسة في السنوات الـ10 الماضية وقبلها هو من المنظومة، فجهاد أزعور شخص مستقل وحافظ على استقلاليته، وتحمل في فترة معينة مسؤوليات مختلفة، وهو ليس مرتبطاً بأي حزب سياسي ولديه علاقات مع الجميع وهو شخص محترم، ولا ينتمي إلى أي فريق سياسي".

ودعا الجميل متهميه إلى التدقيق أكثر بمعطياتهم، مذكراً أن أزعور دخل الشأن العام كمستشار لوزير المالية السابق جورج قرم المحسوب على رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود، والذي كان حينها في مواجهة مع مشروع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة المتهم أزعور بأنه من هذا الفريق، وعندما تسلم السنيورة وزارة المال طلب من أزعور البقاء فيها كمستشار، ويشرح الجميل أن أزعور خلق نفسه بنفسه وفرض نفسه بكفاءته، وربما يتحمل في مكان ما مسؤولية بعض القرارات التي اتخذت عندما كان وزيراً للمالية، خصوصاً بين عامي 2005 و2007.

وعن عدم اقتناع بعض النواب المعارضين لفرنجية، لا سيما المعترضين أيضاً على أزعور، يؤكد الجميل أن هؤلاء غير مدركين حجم المعركة، وهم يعتبرون أننا نخوض انتخابات رئاسية في سويسرا حيث يمكن لكل فريق أو نائب أن ينتخب من يريد، فهم لم يستوعبوا بعد ضرورة إيجاد توازن بين القوى مع حزب يحاول وضع يده بالكامل على لبنان، ويشرح الجميل أن المعارضة لم تحاول فرض مرشحها على "حزب الله"، وقد كان لها مرشح ولاقت الحزب في نصف الطريق، وطلبت منه أن يلاقيها إلى النصف الآخر من الطريق، لكن المشكلة في "حزب الله" أنه لا يريد أن يلاقي أحداً، بل يريد أن يفرض رأيه ويفرض مرشحه. ويضيف رئيس الكتائب أن المشكلة أن ثلث المجلس النيابي يدعو إلى الاتفاق والثلث الآخر يرفض الاتفاق ويسعى بالثلث الذي يملكه أن يفرض على الآخرين ما يريده، وهذا ليس توافقاً ولا ديمقراطية، بل هذا منطق فرض.

ويستغرب رئيس حزب "الكتائب" الانفعال الذي طبع مواقف مسؤولي حركة "أمل" و"حزب الله" بمجرد تبني المعارضة و"التيار الوطني الحر" ترشيح أزعور. ويؤكد أن اتهامهم ترشيحه بالمناورة سقط بمجرد حصول التبني للترشيح بشكل رسمي، جازماً ترجمة الالتزام السياسي الذي حصل بالتصويت لأزعور في جلسة الانتخاب في 14 حزيران، أما عن اتهام أزعور بأنه مرشح تحد ومواجهة فيكرر الجميل بوصفه بالشخص المعتدل وبأن خطابه ليس استفزازياً، مؤكداً أن البرهان الأساس على أن أزعور ليس مرشح مواجهة هو في موافقة "التيار الوطني الحر" عليه، مما يعني أن "التيار" الحليف لـ"حزب الله" والمدافع عن سلاحه سار به، بالتالي بمجرد أن هذا المرشح تمكن من اختراق الاصطفاف فهذا يعني أنه ليس مرشح مواجهة.

ويتجنب الجميل الخوض في التكهنات حول السيناريو المتوقع للجلسة، جازماً أن مجموعة كبيرة من النواب ستنتخب أزعور من دون الدخول في الأرقام المتوقعة والحسابات، على قاعدة أن أحداً لن يقبل بكشف كل أوراقه وأرقامه مسبقاً، فهل يكون أزعور نموذجاً مكرراً للمرشح السابق النائب ميشال معوض؟ يرفض الجميل استباق الأمور داعياً إلى انتظار الجلسة ليبنى على الشيء مقتضاه.

وفي تعليقه على تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري وكتلته بانتخاب سليمان فرنجية وكذلك كتلة "الوفاء للمقاومة" (حزب الله)، يقول الجميل "كنا نتمنى ألا يتمسكوا بفرنجية وأن يلاقونا إلى نصف الطريق لانتخاب أزعور، خصوصاً أننا طرحناه للتوافق، بعد أن كان لدينا مرشح وهو النائب ميشال معوض، ولو كنا نريد فرض مرشح لبقينا على معوض، وقد قمنا بهذه الخطوة لإنهاء الفراغ الرئاسي، ولإيجاد شخص مقبول يستطيع إدارة البلد، ولم نكن في وارد خوض معركة في مجلس النواب، قبل أن يتحول المنطق إلى منطق فرض بالنسبة إلينا".

ورداً على سؤال عن الدعوات الموجهة إليهم للحوار من قبل بري و"حزب الله"، وكان حزب "الكتائب" من المؤيدين لها في البداية، اعتبر الجميل أن هذه الدعوات تهدف إلى الحوار على فرنجية وكيفية التفاهم لإيصاله بالتالي هذا لم يعد حواراً. ويؤكد أن القوى المعارضة لفرنجية، وقبل ترشيح أزعور كانت مستعدة للبحث مع الفريق الآخر بأكثر من اسم لكنهم رفضوا البحث بغير فرنجية، وحصروا الاستحقاق الرئاسي فيه، على قاعدة إما تتفقون على مرشحنا أو لا رئيس للبنان، ويجزم بأنه لم يفتح أحد منهم في أي وقت من الأوقات باباً للنقاش بمرشح آخر، علماً أننا دعوناهم سابقاً إلى سحب فرنجية مقابل سحب معوض، للبدء بالحوار معاً على مرشح ثالث، لكنهم رفضوا.

ويضع الجميل كلام المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي حذر مما اعتبره الخيارات المميتة ملوحاً بالاقتراب من وضعية "لبنان يكون أو لا يكون"، في خانة التهويل للقول "إما تقبلوا بأن نقرر في لبنان أو توقعوا الأسوأ"، وهذا يعني، بحسب رأيه، أنه عندما يكون فريق محتل للبلد ويتجرأ فريق آخر أن يعارضه يتهم بزعزعة الاستقرار، مضيفاً "هذا يذكرني بزمن الاحتلال السوري للبنان، عندما كنا نتهم بزعزعة الاستقرار كلما تظاهرنا ضده"، ويستذكر رئيس حزب "الكتائب" عندما يسمع كلام نائب "حزب الله" محمد رعد عن النفس الطويل، المرحلة التي سبقت انتخاب الرئيس ميشال عون، سائلاً ما النتيجة لهذا النفس الطويل الذي استغرق سنتين ونصف السنة حتى أوصلوا عون؟ ألم تكن ست سنوات في جهنم؟ فهل يريدون منا أن نكرر هذه التجربة؟ ويضيف "يمكن أن نتعذب قليلاً لكننا إذا صمدنا فسنصل إلى النتيجة المرجوة، أما في حال بدأ الاستسلام فعندها سيكون الثمن باهظاً ولست سنوات جديدة".

ولا يخفي الجميل مخاوفه من تطورات أمنية شبيهة بما حصل في العام 2007 ، ويكشف عن أن كل قوى المعارضة تعي خطورة الوضع الأمني الحالي، مذكراً بأنه على مدى ثمانية أعوام تم اغتيال أكثر من 13 شخصية سياسية، وكان لحزب "الكتائب" النصيب الأكبر منها عبر اغتيال نائبين من صفوفه، بالتالي يضيف الجميل "هذا الهاجس الأمني نعرفه جيداً ولم ننسه، وقد يكون هناك نواب جدد لم يختبروه لكن نحن من جهتنا نستوعب خطورة الوضع ولا يمكن إلا أن نأخذه في الاعتبار". وكشف الجميل عن أنه يتخوف من زعزعة أمنية ومن اغتيالات جديدة وقال "أحمل منذ الآن حزب الله المسؤولية المباشرة عما قد يحصل".

ولا يعتمد رئيس حزب الكتائب على أي مبادرة خارجية لخرق الجمود الرئاسي، لا بل يتهم "الخارج"، أو الجو العام الخارجي، كما يقول، بأنه كان متحمساً لمرشح "حزب الله" أو راضخاً له، مؤكداً أن موقف قوى المعارضة عطل الاستسلام الخارجي لإرادة الحزب، كاشفاً عن أن ما فعلته القوى السيادية غير معادلات دولية ومعادلات أكبر بكثير من لبنان.

وعن تكليف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان إيف لو دريان الملف اللبناني، أكد الجميل أن هذا القرار هو دليل على فتح صفحة جديدة في المقاربة الفرنسية للملف الرئاسي في لبنان، معتبراً أن من المبكر الحديث عن شكل هذه المقاربة، قبل الاستماع إلى لودريان، والذي يصفه الجميل بالملم بالملف اللبناني وكانت لديه مواقف واضحة ومباشرة في ما يتعلق بسيادة لبنان ودعم انتفاضة شعبه.

وعما إذا كانت هناك قدرة للوقوف بوجه "حزب الله" يقول الجميل "نعلم أن الشعب اللبناني بكل تلاوينه غير قابل للسيطرة عليه، وما ينطبق علينا ينطبق على غيرنا، فلا نحن نستطيع أن نسيطر، ولا هم يستطيعون أن يسيطروا، والتاريخ في لبنان علمنا ألا أحد يمكنه أن يحكم وحده، ولا أحد سيقبل بأن يكون محكوماً، فإما أن نخلق شراكة حقيقية تؤدي إلى استقرار بعيد الأمد، أو نترك دولاب السيطرة وعدم الاستقرار يستمر إلى ما لا نهاية".