مع التسليم سلفاً من قبل الجميع ان جلسة اليوم لن تشهد انتخاب رئيس للجمهورية، وانها لا تعدو كونها "اثبات وجود" لكل من الداعمين للمرشحين: رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد ازعور، برز في اليومين الماضيين حدثان مهمان على الساحة المحلية في هذا السياق: الاول ابتعاد النائب السابق وليد جنبلاط عن خيار رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئاسي، والثاني احتدام الخلاف داخل التيار الوطني الحر بعد الاعلان عن دعم ازعور.

الحدث الاول كان لافتاً لما يحمل من دلالات وكونه يطيح بسنوات طويلة من التحالف المتين بين الرجلين في مختلف الظروف التي عاشها لبنان ايام الحرب والسلم، في حين ان ما ستشهده جلسة اليوم نتيجته معروفة سلفاً للجميع وهي انه لن يكون هناك رئيس للجمهورية خلالها، كما لن تعقد جولة ثانية في اليوم نفسه بسبب فقدان النصاب، وان كل ما سيحصل هو "اثبات وجود" للداعمين واظهار النية لدى الجميع بأن الرغبة في انتخاب رئيس موجودة ولكن العقبات لا تزال قائمة.

شخصية اعلامية مرموقة ومطلعة على التطورات كان لها رأي مختلف، اذ اعتبرت ان هذا الاختلاف، الذي لا يمكن وصفه بالخلاف، مجرد تفاهم مسبق بين بري وجنبلاط. وتشرح الشخصيّة الاعلاميّة ان هذا التفاهم اتى لاعتبارات عدّة اهمها ان اسماء المرشحين لم تستقرّ على هذين الاثنين فقط، اذ لا يمكن بعد اسقاط اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون من المعركة، كما يمكن التفاهم على اسم آخر في وقت لاحق اذا فرضت الظروف ذلك. وهذا يعني ان لا شيء جدياً في جلسة انتخاب اليوم، والموقف الذي اتخذه جنبلاط يصب في خانة النائب تيمور، وهو امر يتفهمه برّي تماماً. وتضيف الشخصيّة الاعلامية ان جنبلاط لا يريد ان تبدأ مسيرة نجله الّذي تسلم زمام الحزب والوريث الشرعي لآل جنبلاط، بصدام مع القوى الاكثرية المسيحيّة في مجلس النواب وخارجه، او التسليم بأنّه يتسلّم مسؤوليّاته الجديدة تحت عباءة الثنائي الشيعي، لما لها من تداعيات مستقبليّة على حضوره، في حين انّ العلاقة مع برّي ستعتبر من الثوابت التي لن تتغير تحت ايّ ظرف، فوليد جنبلاط يعلم ان الابتعاد عن بري بالنسبة اليه والى عائلته هو بمثابة "انتحار سياسي" لن يقدم عليه لا في المدى القصير ولا في المدى الطويل، وعليه فإن كل الكلام عن خلاف واختلاف هو مجرد سيناريو لتمرير الوقت.

اما في الحدث الثاني، فتشير الشخصية الاعلامية الى ان الامر مغاير تماماً، فالخلاف (وليس الاختلاف) قائم داخل التيار، وان طرح اسماء من داخل التكتل كمرشحين للرئاسة، كان "ضَربة معلم" لمناوئي التيار، الذين كسبوا رهان عدم تقبل اعضاء التيار ترشيح ازعور فيما هناك حظوظ لزملاء لهم، ناهيك عن ان شخصية من طُلب منهم ترشيحه لا تتناسب مع الاهداف التي كانوا يدافعون عنها. وتؤكد الشخصية ان حضور رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون الاجتماعات وطلبه شخصياً الاقتراع لازعور، يفضح مدى خطورة الوضع داخل صفوف التيار، زد على ذلك ما قاله النائب آلان عون لجهة التمييز بين الخيار الحزبي للنواب والخيار السياسي، ليعارض بذلك ما اعتادت كل التيارات والاحزاب السياسية السير فيه في تاريخ لبنان الحديث.

وعليه، تكون الصورة التي وضعتها الشخصية الاعلاميّة، واضحة المعالم لجهة العلاقة بين جنبلاط وبري من جهة، والخلاف الحاصل داخل اروقة التيار الوطني الحر من جهة ثانية، مع تأكيدها ان ازعور قد لا يكون الخيار النهائي للتيار وقوى اخرى رافضة لوصول فرنجية، وان الوقت كفيل بحلّ هذا اللغز.