كاد اللبنانيون يصدّقون شعارات ارتفعت في حراك ١٧ تشرين ٢٠١٩، رغم ان بعضها تجاوز الحدود الاخلاقية انذاك. كانت المشكلة بركّاب الموجة التغييرية، الذين وصل بعضهم الى ساحة النجمة. واذا كانت اعدادهم لا تخوّلهم فرض معادلات سياسية، واقتصرت فاعليتهم على الخطابات والاقتراحات والتمنيات والاطلالات، فإنه كان بالإمكان ان يسلكوا في طريق التغيير الحقيقي في اهم المحطات المفصلية التي تشكّل امتحانا لهم ولغيرهم.

لم يكن معظم نواب "التغيير" على قدر المسؤولية الوطنية التي اختارهم المواطنون لترجمة مفاعيلها. سرعان ما عاد بعضهم الى عادته السلوكية القديمة في الالتصاق بفئة او مجموعة سياسية ضمناً.

حمل بعضهم حقده الى مجلس النواب، وحساباته الشخصية، وبرهن بعض آخر عن سوء اداء، جعلت اللبنانيين يترحّمون على ايام نواب الزعامات التقليدية. من يصدّق ان العاصمة بيروت التي مثلها رؤساء الحكومات السابقين: الراحليْن صائب سلام ورفيق الحريري، وسليم الحص، صار يمثلها نائب "تغييري" لا فاعلية له. هل كانت غلطة في الوقت الضائع؟ ام فشّة خلق في زمن اليأس اللبناني؟ يبدو ان كلا الخيارين معاً.

هذا لا يعني ان هناك نواباً تغييرين ثبّتوا انفسهم ومارسوا سلوكيات موزونة. اتضح ذلك في محطة الانتخابات الرئاسية: نواب تغييريون ذهبوا الى ترشيح الوزير السابق زياد بارود او غيره كتعبير عن التزامهم بمبدأ المجتمع المدني وعنوان التغيير، وآخرون التحقوا بتموضعات البلد الحالية القائمة بين فريقين، وصاروا مُلحقاً لكتل هنا وهناك.

يمكن الاستناد الى موقف الانحياز الى مرشح "التقاطع" الوزير السابق جهاد ازعور الذي طرح اسمه اولاً رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وهو كان وزيراً في المنظومة التي ادارت مالية البلد في سنوات عدة ماضية.

لا يمكن وضع موقف النواب "التغييرين" إلاّ في خانة الطلاق مع الاستقلالية، والخروج من ظاهرة المجتمع المدني، ومحو كل الشعارات التي تم رفعها خلال التظاهرات والحالات الاعتراضية. ظهر أنّ هؤلاء المُلتحقين لديهم أجندات خاصة لا تعبّر عن المواطنين الذين ثاروا، او اختاروا التصويت لهم ضد السلطة والمنظومة السياسية والمالية. ماذا سيميزهم عن نواب الاحزاب؟ هم وعدوا اللبنانيين بتغيير ات. واذا كانوا عجزوا عن فرض ذلك، فلينسجموا مع طموحات الناخبين، وليسموا كما فعل زملاؤهم التغييريون الباقون. بالطبع سيحفظ اللبنانيون الثائرون والمعارضون ان نائباً اسمه الياس جرادة مثلاً بقي منسجماً مع رؤيته التغييرية، بينما صار النائب مارك ضو او غيره مُلحقاً لحزب ومجموعة في تسمية مرشح من المنظومة المالية.

لم يعد شعار "كلن يعني كلن" قابلاً للتصديق، بل صار الشعار عند هؤلاء النواب التغييرين "كلن يعني نصن". لذا، وجب عليهم تقديم الاعتذار الى باسيل، بسبب كل الحملات والشعارات والهتافات التي ساقوها ضده. هم ثبتوا الان انهم تحاملوا عليه، وعلى غيره من اهل المنظومة السياسية والمالية، ويجب قبل ترجمة اعتذارهم في صندوق الاقتراع عبر اختيار ازعور ان يطلبوا من باسيل تحديداً قبول الاعتذار.