على الرغم من التركيز على صورة "الكباش" الداخلي حول ​الإستحقاق الرئاسي​، في جلسة الإنتخاب أمس، إلا أن الأهمية تبقى في مكان آخر، خصوصاً أن الجميع يدرك، منذ أشهر، أن الحراك الداخلي لن ينتج رئيساً، في حين من المستبعد الذهاب إلى معركة "ديمقراطية" حقيقية تحت قبة البرلمان، في ظل التوازن القائم.

في هذا السياق، قد يكون من المفيد التوقف عند بعض الإشارات الخارجية الهامة، التي تبدأ من الدخول الأميركي القوي على خط جلسة أمس، ولا تنتهي عند الإتصالات التي يقوم بها الجانب الفرنسي، بل تشمل أيضاً بعض الخطوات ​السعودية​، التي قد يكون أبرزها زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى ​باريس​، الأمر الذي يصب في إطار الحديث عن أن هذه الجلسة كانت مطلوبة، قبل الإنتقال إلى مرحلة جديدة.

بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة لمسار الإستحقاق الرئاسي، كل ما حصل، في الأيام الماضية، كان مدروساً بدقة متناهية، لا سيما أن لا مكان للصدفة في معادلة من هذا النوع، تتداخل فيها المعطيات الداخلية مع أخرى إقليمية ودولية، وتشير إلى ما يمكن وصفها بـ"اليد الخفية"، التي أرادت أن تكرس توازناً في البلاد، يكون منطلقاً نحو كسر ورقة ترشيح رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، وهو ما عبر عنه توجه كتلة "اللقاء الديمقراطي" نحو التصويت لصالح الوزير السابق ​جهاد أزعور​، بالإضافة إلى مجموعة من النواب المستقلين والتغييريين.

في قراءة هذه المصادر، العائق الأبرز أمام أي تفكير بالإنتقال إلى مفاوضات حول تسوية جدية يكمن بالتحالف الداعم لفرنجية، نظراً إلى أن هذا التكتل يمثل كتلة صلبة ليس من السهل توقع تراجعها عن دعمه، الأمر الذي كان يتطلب زيادة الضغوط عليها، وهو ما يشكله "التقاطع" الذي حصل على إسم أزعور، خصوصاً أن الأخير يتمتع بدعم غالبية ​الكتل النيابية​ المسيحية، المُعطى الذي لا يمكن تجاوزه، نظراً إلى أن البلاد ستكون، خلال وقت قصير، مع فراغ في أحد أبرز المواقع المسيحية، أي حاكمية مصرف لبنان.

من وجهة نظر المصادر السياسية المتابعة، ما تقدم لا يعني أن قوى الثامن من آذار ستسلم بضرورة سحب ورقة ترشيح رئيس تيار "المردة"، خصوصاً أن أزعور لم يصل إلى عتبة الـ65 صوتاً (نال 59 صوتاً مقابل 51 صوتاً لصالح فرنجية)، حيث المرجح أن تكون البلاد ذاهبة، في المدى القريب على الأقل، إلى "مراوحة"، لكن في المقابل ما يمكن الحديث عنه هو أن الجهات الأخرى، تحديداً الخارجية منها، نجحت في تهيئة الأرضية المناسبة نحو الإنتقال إلى الخيارات الأخرى، التي تتطلب، قبل أي أمر آخر، تثبيت المعادلة الجديدة.

على هذا الصعيد، تدعو هذه المصادر إلى مراقبة التطورات الخارجية، التي ستكون حاضرة بقوة في الأيام المقبلة، خصوصاً على المحور السعودي-الفرنسي-الأميركي، بالإضافة إلى الدور الذي من الممكن أن تلعبه قطر بعيداً عن الأضواء، حيث تشدد على أنها لن تكون منفصلة عن أخرى ستكون حاضرة على المستوى الداخلي، خصوصاً أن المرجح هو ذهاب الكتل النيابية إلى التصعيد الذي يسهل دور الضغوط الدولية.

في المحصلة، مختلف القوى ستقرأ نتيجة الإقتراع على النحو الذي يخدم مصالحها، إلا أن العلامة الفارقة ستكون كيفية قراءة القوى الخارجية المؤثرة لهذه النتيجة، نظراً إلى أن الأساس هو تدخلها لكسر المراوحة التي كانت ستبقى قائمة فيما لو لم تبادر إلى التدخل، وبالتالي الرابح الأبرز في جلسة الأمس كان خيار التسوية، الذي كان يحتاج إلى التمهيد له، مع بقاء السيناريوهات مفتوحة على كافة الإحتمالات.