في خضم المشكلات السياسية والاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، وفي وقت اخذ الاستحقاق الرئاسي فيه مرحلة متقدّمة من الاهتمام، برزت فجأة فكرة اجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتم تقديمها على انها احدى الحلول للتعقيدات التي تسرح وتمرح على الساحة اللبنانية. في المبدأ، وفي الدول الديمقراطية، غالباً ما تكون الانتخابات وسيلة لحلّ العقد المتحكّمة بالبلد، ولكن في لبنان يأخذ الموضوع منحى آخر. من طرح الفكرة ومن أيّدها على حدّ سواء، يدرك تماماً ان هذا الموضوع ليس حلاً، بل هو مجرد الهاء لتمرير الوقت، وبات اشبه بورقة اضافية في يد البعض لزيادة مرحلة المراوحة واغراق الناس في سبات طويل. قد يسأل البعض عن السبب الذي يجعل الكثيرين يعارضون هذه الفكرة، ولمن لم يدرك بعد السبب، في ما يلي بعض الاجوبة التي قد تشفي فضولهم:
1-في السياسة. هل يشك احد في ان الانتخابات النيابية، اذا حصلت اليوم، ستفضي الى النتائج نفسها التي افرزتها الانتخابات الاخيرة (منذ سنة واحدة فقط)، ولو سلمنا بأنها قد تحمل تغييراً بسيطاً، سيصبّ في خانة التيارات والاحزاب السياسية المتصارعة بدلاً مما يسمى "تغييريون". هل الهدف منها تكريس سيطرة تحالف احزاب وتيارات على آخر؟ وفي حال كان هذا هو الهدف حقاً، من الذي يقتنع بأن المسالة تتعلق بالاكثرية النيابية فقط من دون اعتبار مواقف الخارج؟ ومن الذي سيسيطر على 86 نائباً؟ انها مجرد مزحة سمجة، فالانقسام السياسي سيستمر الى ان يتم حله من الخارج، وعدا عن ذلك لا شيء سيوقفه.
2-كيف يمكن طرح اجراء انتخابات نيابية مبكرة في حين ان الانتخابات البلدية والاختيارية تم ارجاؤها، وبغطاء من مجلس النواب، في حين ان الحكومة اشتكت من عدم توافر الاموال؟ فهل تتوافر الاموال للانتخابات النيابية وتنقطع حين يتعلق الامر بالانتخابات البلدية؟ واذا تم الاتفاق على اجراء مثل هذه الانتخابات بأعجوبة ما، الا تحتاج اقله الى ستة اشهر من التحضير من قبل المرشحين والدولة؟ وهذا يعني عملياً توقف الحديث عن الانتخابات الرئاسية طوال هذه المدة، مع عدم ضمان انتخاب رئيس حتى بعد ظهور مجلس نيابي جديد. اضافة الى ذلك، سيتم تعليق كل الامور في البلد حتى اجراء هذه الانتخابات، اي ان المسائل كافة ستراوح مكانها الى ان يجرى هذا الاستحقاق في موعده غير الطبيعي، فهل يتحمّل لبنان مثل هذا الاجراء؟.
3-هل يضمن من طرح ومن يؤيد هذا المشروع، الا يتقدم نواب بمشروع قانون جديد للانتخابات النيابية بعد ان اشتكى العديد من القانون الاخير والذي كان حديثاً نوعاً ما؟ وهل سيقبلون بعدم تخصيص مقاعد نيابيّة للمغتربين، او ستظهر مطالب جديدة لم يتمكّنوا من الحصول عليها او ايصالها في الانتخابات السابقة؟ وكم سيطول الوقت قبل البتّ بموضوع القانون الجديد واقراره وشرحه للناخبين في لبنان والانتشار؟.
باختصار، اذا كان الهدف من الطرح التعجيل في الانتخابات الرئاسيّة، فإنّه من نافل القول ان من شأنه تعقيد الامور اكثر فأكثر وإلباس فترة الفراغ الرئاسي ثياب الشرعية لاطالة امدها، والهاء الناس بمسألة لن تقدم، لا بل ستؤخّر حتماً في مسيرة الوصول الى نهاية النفق المظلم.
لكل هذه الاسباب وغيرها، لا يمكن الاستمرار بهذا الطرح والافضل ان يتمّ طي هذه الصفحة والبحث عن امور اخرى قد تشكل فرصة حقيقية لتحسين الاوضاع والخروج من شباك هذه الازمة في اسرع وقت ممكن، واستغلال الاجواء الايجابية اقليمياً ودولياً واستثمارها في لبنان، ووضع السجّاد الاحمر في انتظار وصول فخامة التسوية.