غالباً ما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري صاحب "مزرعة الارانب السحريّة" التي كان يسحبها عند الحاجة لاكمال مراحل التسوية المتّفق عليها، الى حدّ انه يملك الحق الحصري لهذه العملية في لبنان.
اليوم، يبدو ان الفرنسيين، وتحديداً الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، مصمّم على استقبال ارانب بري، فأوفد وزير خارجيته السابق جان ايف لودريان لتقديم قبعته الى بري، تمهيداً لاخراج الارنب السحري الذي سيحمل معه بوادر الاتفاق والتسوية الشاملة.
أجمعت المعلومات والمواقف الرسمية وغير الرسمية، على ان المبعوث الفرنسي الخاص لم يحمل معه اسماً رئاسياً، وبالتالي لا يمكن تكذيب هذه المعلومات، انّما ما يزيد من اهميّة زيارته الى لبنان، هو اسمه وتجربته مع اللبنانيين وقدرته على التواصل مع الاميركيين والعرب.
ادرك الدبلوماسي الفرنسي صعوبة مهمّته منذ اليوم الاول، وهو ألمح بشكل مباشر الى انه مضطر للقيام بهذه المهمة، لان ماكرون مصرّ على مساعدة لبنان كما قال، وهو يعلم (اي الدبلوماسي الفرنسي) ان تصميم رئيسه يضعه في موقف حرج، خصوصاً في ظلّ الصعوبات الاقليميّة والدوليّة التي تعترض الملف اللبناني، فلم يجد بدّا من تلبية طلبه. من ميزات لودريان انّه منفتح على التعاطي مع حزب الله، ويتمتّع بخبرة في التعامل مع اللبنانيين، كما انه قريب من وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن وكان قد اجتمع به في فرنسا بعد تعيينه اثر انتخاب جو بايدن رئيساً.
على خط آخر، لا شك ان بري وحزب الله مرتاحان للدخول الفرنسي على الخطّ، لانّ باريس دعمت وصول مرشّحهما سليمان فرنجية، ولا يرغبان في خسارة هذا الدعم. من هنا، كان غريباً عدم نشر السفارة الفرنسيّة جدول مواعيد المبعوث الفرنسي، ما فسّره كثيرون على انّه يحمل مواعيد ولقاءات لا ترغب فرنسا الرسميّة في الاعلان عنها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حزب الله.
وعلى خط مواز، كان ماكرون يتولّى المهمة الاصعب عربياً وهي التواصل مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضيّة تتعلق بلبنان، بعد ان نجح سابقاً في فكّ عقدة المشكلة التي برزت مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي كان محتجزاً في السعوديّة قبل وساطة الرئيس الفرنسي وزيارته الشخصية الى الرياض.
صحيح انّ لودريان لا يحمل اسماء معه، ولكنه لم يأتِ فقط للاستماع الى ما يقوله اللبنانيون، فمواقفهم معروفة وهو اختبر انه لا يمكن ثني ايّ طرف لبناني عن موقفه الا بالتعاون مع الجهات الدوليّة المعنيّة، عبر تقديم ضمانات وتنازلات معينة. لذلك، من المؤكد ان الوزير الفرنسي السابق وضع الذين التقاهم في صورة ما يريده رئيسه، وهو بصدد ايجاد المخرج الملائم لوضعه على طاولة الحلّ، مع ارتفاع نسبة جمع اللبنانيين الى طاولة واحدة للاتفاق على صيغة قوامها تفاهم سياسي اقليمي-دولي (الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وايران والسعوديّة بشكل مباشر)، بتمويل قطري (النسبة الاكبر) وبعض الدول الاخرى، وتحت قاعدة ارضاء الجميع، وهي باتت معروفة في لبنان من قبل كل الافرقاء المحليين والدوليين على حد سواء. وعليه، من المتوقع ان تنجلي الامور قريباً (يتردّد خلال اسابيع)، وان يخرج الارنب السحري، ليس من قبّعة بري، بل من قبعة لودريان الفرنسيّة، فيما تبقى حظوظ كل المرشحين المعلنين وغير المعلنين على حالها من دون اي تغيير، في انتظار استكمال اللقاءات والمشاورات.
لن تنتهي زيارة لودريان بانتخاب رئيس للجمهورية، ولكنها حتماً لن تنتهي كما بدأت، لانّ قطار الحلّ قد وضع على السكّة، ومن المنتظر ان ينطلق في وقت قريب على ان تكون محطّته الاولى الانتخابات الرئاسية، ومنها سيتابع سيره نحو محطّات اخرى تم تعبيد الطريق امامها.