سمعت يومًا المطران جورج خضر، في رثاء أحد التربويين، يقول: "لقد فتّشتُ معاجم العرب كلّها، لم أجد مصدرًا لكلمة مُرَبٍّ سوى الربّ". هذه قناعة عاشها خضر في عائلته وفي كنيسته، وفي التعامل مع رعيّته وأبنائه الروحيّين، وسكبها مع أترابه في مبادئ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة الستة.

التربية أمر أساسيّ في حياة الإنسان منذ مولده حتى مماته. فليست الحياة إلا مراحل يقطعها الإنسان في محطّات شبيهة بصفوف المدرسة، حيث سنة بعد سنة يكتسب الطالب دروسًا تعلّمه وتزيده تواضعًا وفهمًا وثقافة ومنطقًا، لا جهلًا وغباءً وتكبرًا.

من الطبيعي أن تكون التربية البيتيّة أساسًا في صقل شخصيّة الإنسان، فالتربية الصالحة تنبع من زرع صالح، "كما تزرع تحصد". فمسار التربية الصالحة تجعل من الإنسان كائنًا إجتماعيًا لا وحشًا بشريًا.

من هنا، إن المحافظة على الأخلاق والقيم هي من أولى أهداف التربية الصحيحة، المدعومة بتعاليم دينيّة وبطرق حضاريّة إنفتاحيّة، لا متطرّفة أو انعزاليّة. التربية الصالحة تحمل الإنسان إلى سلوك صالح، بحيث تدمج الإنسان بمجتمع متماسك قائم على احترام الآخر كائنًا مَن كان.

التربية، عزيزي القارئ، كلمة شأنها شأن سائر الكلمات، لكن مضمونها عميق ومهمّ وأساسيّ في سبيل خلق مجتمع، تسوده مبادئ وقيم متعددة تُعتبر ركيزة أساسيّة في تكوين المجتمعات، وتوجّه الأفراد لكي يميّزوا بين الصح والغلط. فالتربية تُعدّ المفتاح الأول للثقافة، من هنا لا ثقافة من دون تربية، والعكس صحيح.

نحن اليوم أمام مجتمعات تسودها قلّة الأخلاق، وهذا ليس حكرًا على منطقة أم مكوّن أو طائفة. فالتفلّت الأخلاقيّ المستشري في مجتمعاتنا له أسبابه التربويّة والغرائزيّة والعائليّة وحتى الدينيّة، وهذه الأخيرة هي مفتاح أساسي لمستقبل تربوي واعد، من خلال ما تستطيع الهيئات الروحيّة من لعب دورها الكامل، لا التقاعد والتقاعس والإستعفاء. وهذا ما أشار إليه المطران خضر في افتتاحيّة المقال.

كلٌنا مدعوون أن نسكب الربّ في عقول وقلوب ووجدان أبنائنا، لكي نفوز بمستقبل يسوده المنطق والحكمة والعدل والرقي الأخلاقي، وإلا سنكون أمام مجتمعات متفلّته بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ما نشهده اليوم من تفلّت أخلاقي واجتماعي وعائلي، نتيجة تلهّي الأهل في مغريات هذه الدنيا، وجعل المال سيدًا على حياتهم، هذا ما يؤدي إلى ضياع الأولاد وانغماسهم في المحظور، فيدمنون امورًا لا يعرفون عاقبتها، ناتجة عن سوء التربية ومعاشرة أبناء السوء، "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت".

لتسعى عائلاتنا إلى خلق تربية نظيفة، تؤدي حكمًا إلى مجتمع نظيف، وبيئة سليمة، ومستقبل واعد. لنتعاون بيتًا وكنيسة ومدرسة ومقامات دينيّة على أنواعها من أجل تربية صالحة، فالتربية لا تكون بالعلم والمعرفة والثقافة فقط، إنما بانسكاب نِعم الله في قلوب الناس، والسلام.