لفتَتني هذا الأسبوع إشارة مرجع أمنيّ لإحدى الصحف، الى أربعة عوامل مؤثّرة على الوضع الأمني، أوّلها موضوع النازحين، وثانيها ملف الارهاب والخلايا الارهابية النائمة، وثالثها ملف فلتان العصابات والمخدرات، ورابعها وهو الأخطر، يتجلّى في الإشكالات التي تحصل في الكثير من المناطق والمترافقة مع ظهور السلاح المتفلّت، وتؤدّي الى قتلى وتوتّرات وتداعيات ذات طابع طائفيّ أو مناطقي.

أبَيتُ على نفسي، منذ مدّة، الكتابة في المواضيع السياسيّة بشكل مباشر، إذ ما دخل أحد هذا العالم إلا وابتلعه. فالحديث في ال​سياسة​ يُعدّ “انزلاقًا”، لافتًا في ظلّ الشلل العام الذي يضرب البلد، الذي يحتاج بدوره إلى “أعجوبة من الله”، لكي ينتهي الوضع المتأزم في لبنان.

إنطلاقًا مما بدأت، نعيش وللأسف في ظروف صعبة على كافة الصعد والمستويات، أزمات ومشاكل متنقّلة.

مَن يتابع نشرات الأخبار والتقارير والتحاليل السياسية عمومًا، والإقتصاديّة خصوصّا، لا بد أن يشعر بخوف كبير، رغم حملة "أهلا بهالطلّة" التي لم تستطع أن تمحو هذا الخوف والتخوّف. فالإعلام اللبناني، للأسف، لا يساهم في لعب دور محوري في الدعوة الى التلاقي والحوار، بل يلعب دورًا في البعد والتفرقة.

نعيش عصفوريّة بكلّ ما للكلمة من معنى. عصفوريّة طائفية، تنتظر فتنة من هنا ومن هناك لكي تسوقنا إلى مطبّات وعرة، لا يمكن لأحد أن يتبصّر مصيرها ونهايتها.

ما نعيشه من وضع غير مستقر في لبنان له تداعيات خطرة على الصيغة والكيان. فهذا الشحن المبيّت الذي يقوده زعماء الطوائف في لبنان، رغم بعض العبارات المنمّقة التي يستعملونها، للتغطية على واقع مؤلم، لا تنفع في ستر الواقع المرّ الذي نعيشه. فالتغنّي بالتعايش والعيش الواحد والوحدة الوطنيّة، وكلّ الكلام المعسول "والكليشيهات" التي يتم التداول بها، لا تخفي الحقيقة التي نعيشها، والناتجة عن مرض الطائفيّة البغضاء والنظام البالي والقوانين الرجعيّة. المخاطر التي تتهددنا في هذا الشرق، تهدد كلّ سكان هذه المنطقة دون استثناء. هذا أمر لا يعيه المسؤولون عندنا، من كلّ الطوائف والجهّات، ولا يدركون أنّ سقوط أحد الأعمدة، سيؤدي إلى سقوط المعبد بأكمله.

لم أسمع أحد من الساسة يطالب برئيس للجمهورية ينظر إلى الفقراء في لبنان، الذين باتوا يشكّلون الشريحة الكبرى من اللبنانيين! لم أشهد مسعىً جماعيًّا تحت قبّة البرلمان، لإيجاد حلول جذريّة للمعضلة الإجتماعية والإقتصاديّة التي نعيشها. وكأنّ كلّ طرف همّه القول لمحازبيه وأتباعه ومناصريه، أنّ الخلاص للبلد لا يكون إلا من خلالي. هذا كلّه ناتج عن روح الكبرياء والاستعلاء والإستغلال والإنعزال، تحت راية الطائفيّة، التي باتت نقمة، بالإضافة إلى الطمع في الكرسي، وأسر القرار السياسيّ وأحاديته، عند بعض الجهّات الفاعلة.

كيف لبلدنا أن ينهض من هذا المأزق الكبير الذي نعيشه؟ كيف لبلدٍ يتناهشه أبناؤه أن يصحى من كبوته؟

كيف لنا أن نُقنع الجيل الصاعد بعدم أخذ خيار الهجرة؟ أسئلة كثيرة يمكننا طرحها، في هذا السياق، ولن نحصل على أجوبة شافية، في ظل العقول المتحجّرة التي تعبث بأرض الوطن وما تبقّى من مقوماته.

خلاص لبنان، لا الخلاص على ما تبقّى منه، لا يكون على يد فئة دون أخرى. صار من القناعة بمكان ما القول: لا يستطيع أحد إلغاء أحد. صار لزامًا القول أنّ الحوار ثم الحوار، بخلفيّة وطنيّة لا مصالح دوليّة، ودون تعنّت وعناد، هو الوحيد القادر على حلّ الخلافات والنزاعات، من دون غياب أحد عن طاولة الحوار.

الكلّ مدّعو إلى التواضع لأجل خلاص لبنان، الكلّ مدّعو إلى "كلمة سواء"، الكلّ مدّعو إلى التنازل وحلّ الخلافات، وتدارك العوامل الأربعة المؤثّرة على الوضع الأمني. الكلّ مدّعو إلى استرجاع الثقة المفقودة بين المسؤولين، الكلّ مدّعو إلى التّفكير أنّ لبنان لا يقوم إلّا بجناحيه المسيحيّ والمسلم. كفانا تجييشًا طائفيًّا ومبطنًا للشارع، لأنّه الأخطر، وهو كقنبلة موقوته تنتظر لحظة الإنفحار، وشظاياها ستصيب الجميع دون استثناء. والسؤال الكبير الذي نطرحه: هل سيبقى لجيشنا القدّرة على نزع فتيل الفتّنة المتنقّلة؟.

لذلك، انزعوا الخبث من قلوبكم وعقولكم، وتعالوا إلى الحوار، تواجهوا حتى لا تتجابهوا، وإلّا فعلًا السلام على ما تبقّى من لبنان، "ومَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ".