شاءت الظروف أن أكون خادمًا لأكثر من رعيّة، الأمر الذي يتطلّب تنظيم مواعيد القداديس يوم الأحد بأوقات متفاوتة، لا سيّما في فصل الصيف، لكي يستطيع المؤمنون المشاركة في الذبيحة الإلهية.

أشكرُ الله أن المؤمنين يُقبِلون على القدّاس الباكر، وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على وعيهم، كبارًا وصغارًا، لأهميّة المشاركة في الذبيحة الإلهيّة، قبل أن ينطلقوا إلى رحاب هذا البلد، ليتمتّعوا بأجواء الصيف الممتعة فيه.

تقديري كبير لهذا الكمّ من المؤمنين الملتزمين والمحتشمين، لأنهم أدركوا كيانيًّا أن كلّ لذائذ هذه الدنيا، ليست نقطة في بحر العلاقة مع الله، والتزوّد بكلمته المحيية، وبجسده ودمه الكريمين.

منذ حداثتي كنت أسمع خالي، رحمه الله، يقول لأولاده عشيّة كلّ أحد، "منقدّس ومنرجع نروح مطرح ما بدكن". تربّيتُ بعدها في مطلع شبابي، في صفوف حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، أنّ يوم الأحد هو مقدّس ومخصّص للرب. فالقدّاس في إيماننا ومفهومنا، ليتورجية تحدث في السماء، وبمجرد مشاركتي فيه أصبح جزءًا صغيرًا من السماء، الى جانب الملائكة المجتمعين حولي ممجّدين الله. مما يعطيني الإمكانيّة أن أكون قادرًا على التحدّث مباشرة مع الله كما سأفعل يومًا في السماء.

البعض، وللأسف، يبتعدون عن القدّاس بحجة الشعور بالملل وعدم استيعاب ما يجري، وبحجّة التزامات دنيويّة. يَسهل علينا في الكثير من الأحيان إيجاد حجّة للتغيّب. إلا أنّ القدّاس هو من أروع الهدايا التي أعطانا إياها الرّب! فعلى الرغم من أن كنائسنا مليئة بالمؤمنين، إلا أن نسبة مئوية منهم تبقى غائبة، وتعتبر أن يوم الأحد هو للراحة، ويتعلّلون بعلل الخطايا، لتبرير غيابهم، ناسين أن الإفخارستيّا هي نعمة سماويّة، ولهذا السبب من الضروري المشاركة فيها كلّ مرة تقام، ولا سيّما في الآحاد.

من هنا دعوتي لكم، ودعوة كلّ كاهن، للمشاركة في القدّاس، لا لمجرّد الصلاة بل لتناول جسد المسيح الذي خلّصنا وسامحنا وجَمعنا مع الآب. إنّه أمرٌ رائع من الواجب القيام به! ذاكرين أنّ الرّب قام من بين الأموات يوم الأحد، ولذلك يُعدّ هذا اليوم يومًا مهمًّا جدًّا بالنسبة إلينا.

مَن منّا لا يحب الإسترخاء في هذا اليوم والإبتعاد عن ضوضاء العالم؟ نعتقد اننا سنجد راحتنا في التمدد ومشاهدة الأفلام أو التبضّع في المراكز التجاريّة أو تعقّب مواقع التواصل الاجتماعي، أم الذهاب جبلًا أو بحرًا، لكن تذكّروا أن يسوع أوصانا قائلاً: "تعالوا إلي يا جميع المتعَبين والمُثقلين، وأنا أريحكم" (متى ١١: ٢٨). إنّ الطريقة الوحيدة لاستعادة السلام الذي نفقده خلال الأسبوع، ومواجهة التّجارب التي نعيشها، مع الأحزان والضيقات التي تعصف بنا، قضاء ساعة واحدة مع الرّب، سيُعيد إنعاشنا ويشجّعنا ويقوّينا للأسبوع التالي، والسلام.