في أيلول من العام الماضي أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية توقيف 12 شخصاً من أتباع العقيدة البهائيّة المحظورة في البلاد، لإقامتهم علاقات مع مركز البهائيين في "إسرائيل"، مشيرة الى أنه تمّ "تدريب اثنين من قادة هذا التنظيم التجسّسي في منظمة "بيت العدل الصهيونية" الموجودة في اسرائيل، وشكلوا خلية تجسس مع عناصر تنظيمهم في جميع أنحاء محافظة مازندران".
لطالما أثارت "البهائيّة" حول العالم إشكاليات حول ارتباطها أو عدم ارتباطها بإسرائيل، فأتباع هذه الطائفة يعتبرون ان ربطهم بها يأتي بهدف ضرب وجودهم، علماً أن طائفتهم موجودة قبل نشوء اسرائيل بكثير، ومعارضوها يعتبرون انها جزء من عملية بريطانية اسرائيلية هدفها زرع أوكار التجسس في أماكن تواجدهم.
لم تلق هذه الإشكاليات حلولاً شاملة ومقاربات كاملة، فظلّ الصراع بين المؤيدين والمعارضين مستمراً منذ نشأة هذه الطائفة حتى يومنا هذا، وفي لبنان لا يختلف الحال مع وجود البهائيين في مشغرة وخلدة وبيروت بشكل أساسي، وما أعاد هذه القضية الى الواجهة هو ما أثير عن اعتناق أحد المتّهمين بالعمالة لإسرائيل، الطائفة "البهائية".
بعد الديانة البابية، وُلد في العام 1817 ميرزا حسين علي نوري، في إيران، وهو الذي لُقّب ببهاء الله، وكان أساس الطائفة البهائية التي ظهرت في العالم عام 1863، رغم أن الشاب لقّب نفسه بـ "بهاء الله" قبل ذلك بسنوات، وبات يبلغ عدد معتنقيها اليوم حوالي 8 ملايين.
تعرض البهاء للنفي مرات عديدة قبل أن ينتهي به الأمر في مدينة عكا في فلسطين، وهي المنطقة التي توفي فيها عام 1892 وبات قبره "قبلة" البهائيين في العالم، فاستلم بعده نجله عباس أفندي كخليفة له ومفسراً لتعاليمه، وكان لقبه "عبد البهاء"، وكان له دور كبير بنشر البهائية في العالم.
بعد وفاة عبد البهاء عام 1921 صار للبهائية مجلس أعلى مؤلف من 9 أشخاص يديرون شؤون الطائفة التي تملك "مؤمنين" في لبنان، يعيشون بشكل أساسي في مشغرة، حيث كان إمام مشغرة في أواخر القرن التاسع عشر الشيخ جعفر الطحان من اوائل البهائيين في لبنان، وساهم بانتشار البهائية في البلدة حيث يوجد لهم مقبرة تأسست عام 1971.
يكشف مصدر جنوبي أن في مشغرة مجموعة من البهائيين تضم عشرات الأشخاص، ولهم في البلدة "بيت عدل" أو محفل روحاني مُكوّن من 9 أعضاء يديرون شؤون المجموعة، مشيراً الى أن هؤلاء يمارسون طقوسهم بحريّة رغم غموضهم، ولهم عقود زواجهم الخاصة، ومراسم دفنهم الخاصة أيضاً، ويتغنون بالسلام واحترام الجميع بينهما هدفهم في مكان آخر.
منذ حوالي 30 عاماً أغلق مركز البهائيين في حارة حريك، وبات لهم مركزاً جديداً في المتن، بحسب ما يكشف المصدر، مشيراً عبر "النشرة" الى أن إدانة هؤلاء بالعلاقة مع الصهيونية يقولها بهاء الله في كتاب الأقدس البهائي: "قل الله الحق إن الطور يطوف حول مطلع الظهور، والروح ينادي من في الملكوت هلمّوا وتعالوا يا أبناء الغرور. هذا يوم فيه سر كرم الله شوقاً للقائه وصاح الصهيون قد أتى الوعد وظهر ما هو المكتوب في ألواح الله المتعالي".
في نفس السياق، أورد عبد القادر شيبة الحمد في كتابه "كتاب البهائية إحدى مطايا الاستعمار والصهيونية" في الصفحة 24 منه ما يلي: "وقد أخذ عبد البهاء يدعو إلى التجمع الصهيوني ويحقق الغرض الذي من أجله أسست البهائية، وفي ذلك يقول في مفاوضات عبد البهاء صفحة 59: "وفي زمان ذلك الغصن الممتاز وفي تلك الدورة سيجتمع بنو إسرائيل في الأرض المقدسة وتكون أمة اليهود التي تفرقت في الشرق والغرب والجنوب والشمال مجتمعة. ثم يقول: فانظروا الآن تأتي طوائف اليهود إلى الأرض المقدسة ويمتلكون الأراضي والقرى ويسكنون فيها ويزدادون تدريجياً إلى أن تصير فلسطين جميعاً وطناً لها".
تشكل مدينة عكّا قبلة البهائيين، وحيفا مركزهم الديني والروحي، فيحجّون إليهما على اعتبار أنهما المركز العالمي للبهائيين، إذ تضم عكا ضريح بهاء الله، وتحتوي حيفا على ضريح محمد رضا الشيرازي الملقب بـ"الباب"، لذلك فلطالما رُبط بين البهائيين واسرائيل، وهو ما ينفيه البهائيون الذين لا يسمح لهم دينهم بالعمل في السياسة بحسب ما يقولون، مؤكدين أن "عكا التي هي قبلتنا وحيفا التي هي مركزنا الديني والروحي، مدينتان موجودتان قبل تأسيس دولة الاحتلال"، مشددين على أن دينهم قائم على فكرة السلام.
عشرات السنوات لم تنهِ الجدل القائم حول البهائية، ولن ينهيه مقال أو خبر ولا حتى ارتباط احد البهائيين بالعدو الاسرائيلي، فعمل الفرد لا يعني كل الجماعة، والعميل لا دين له ولا طائفة، وهذا مبدأ يسري على كل العملاء، لذلك فالموضوع بحاجة الى متابعة من الدولة اللبنانية واجهزتها والمؤسسات الدينيّة، لبحث الأصل والبناء على النتائج، علماً ان الدولة لا تعترف بالطائفة البهائيّة في لبنان، أو بالأحرى بالدين البهائي، لأن البهائيين يعتبرون انفسهم ديناً قائماً لا طائفة ضمن أيّ من الأديان الثلاثة الموجودة.