كما العادة (التي تم كسرها بشكل عجائبي مرة او مرتين خلال العقود الأخيرة من الزمن)، لا بد ان يتزامن عيد الجيش اللبناني مع "مصائب" تحل به، عبر استهدافه بشكل مباشر ووقح، ليس معنوياً وبالكلام، بل بالرصاص الحي وكما العادة ايضاً، لا يفكر الجيش مرتين في تقديم الشهداء من اجل انقاذ لبنان واللبنانيين، و"مصرف شهدائه" على عكس المصارف اللبنانية، يفتح على مدار الساعة ولا يبخل على اللبنانيين بأي ثمن لضمان سلامتهم وأمنهم.
مع حلول الأول من آب، نجد ان الجيش يتعرض للاعتداء، وذلك على الرغم من الاجماع الوطني حوله، وعلى الرغم من اعتباره من قبل الدول الصديقة والشقيقة والبعيدة والقريبة، مفتاح الأمان الوحيد الذي يمكن الرهان عليه في بلد التقلبات السياسية والأمنية والاجتماعية والمذهبية... واللافت انه اذا ما اخذنا جدياً الكلام الذي يصدر عن هؤلاء، يصبح الاعتقاد ان عناصر الجيش ترتاح في ثكناتها ولا تخرج منها الا للقيام ببعض المهمات المحددة والقليلة، غير ان الواقع هو عكس ذلك تماماً، لا بل ان البعض يدفع - بشكل مباشر او غير مباشر- الى التضحية بالجيش وبأفراده، وهنا يجب دق ناقوس الخطر. لن نتطرق الى المشاكل الدائرة بين وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال وقائد الجيش، فهي "حزازيات" لا تشكل خطراً جسدياً على الضباط والرتباء والافراد، ولو انها تؤثر على معنوياتهم والتسلسل الهرمي للقيادة، فالاخطر هو الاستهداف المباشر للجيش من قبل الكثيرين، من تجّار المخدرات، الى مهربي البشر والأسلحة، الى الإرهابيين، الى المجرمين... فالجيش على تماس يومي مع هؤلاء، ويتلقى منهم كل شرورهم ورصاصاتهم من دون أي تململ كونه يعلم ان واجبه في لبنان الدفاع عن لبنان وأمن مواطنيه.
بالأمس، كان الجيش عرضة للاستهداف بسبب الإشكالات التي يشهدها مخيم عين الحلوة الفلسطيني في صيدا، وظاهرها "أصابع إسرائيليّة"، اما باطنها فهي "خلافات داخليّة" بين الفصائل الفلسطينية وامتدادها الى الأراضي المحتلة. فجأة، ومن دون سابق تخطيط، تعلو الأصوات من قبل المسؤولين الفلسطينيين قبل اللبنانيين، الداعية الى دخول الجيش الى المخيمات لفرض هيبة الدولة وسيطرتها على المخيمات!.
هكذا، وبدقائق قليلة، اصبح الجيش مطلوباً من قبل الجميع، وكأن دخوله الى المخيمات سيكون على طريق مفروشة بالورود والأرز. لكل من يدعو الجيش اليوم الى اقتحام المخيمات نقول: هل فقدتم عقلكم ام انكم تريدون، عن سابق تصور وتصميم، التضحية به؟ هذا الكلام لا يصدر عن قلّة ثقة بالجيش وبأفراده الذين من المؤكد انهم، اذا ما أوكلت اليهم المهمة، سيبذلون المستحيل لتنفيذها وسيخرجون منتصرين حتماً، انما التشكيك هو بنية الداعين الى مثل هذا الامر، لان الكلفة ستكون عالية جداً. هل نسي هؤلاء الكلفة الباهظة جداً التي دفعها الجيش عند دخوله الى مخيم نهر البارد عام 2007؟ ما هي الاسلحة التي سيتم تأمينها الى العسكريين؟ من اين سيأتون بالتجهيزات والذخائر؟ كيف سيكملون أيام المعارك ومن سيوفّر الغذاء والطبابة والوقود والامور اللوجستية؟ وهل يعتبر هؤلاء انه من السهل اقتحام مخيم من دون إيقاع خسائر بشرية فادحة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، ناهيك عن التحصينات والبيئة الاجراميّة التي خلقها المجرمون والارهابيون المتواجدون في المخيمات، والتي من شأنها ان تزيد الخسائر في صفوف الجيش اللبناني؟ ومن يضمن ان تكون المخيمات بعد الدخول وتقديم الثمن الاغلى من دماء الجيش، في عهدة الدولة؟ وهل بات مخيم نهر البارد تحت سلطة الدولة؟.
لن يكون الجيش في عيده "ذبيحة" احد، ويكفيه ما فيه من مصائب وويلات لمواجهتها، وليكن عيده محطة لتذكير الجميع بما قدمه وبتضحياته اليومية في سبيل لبنان وخلاصه.