تُلخِّصُ أيقونةُ رُقادِ والدةِ الإِله هدفَ وجودِنا، أَلا وهو الامتلاءُ مِن الرُّوحِ القُدسِ واكتسابُ الحياةَ الأَبديَّة. هذا ما نرتِّلُه في غروبِ العيد: "يا لَهُ مِن عَجبٍ باهرٍ. إنَّ العذراءَ ينبوعَ الحياةِ قد وُضِعَت في قَبرٍ. فأصبحَ القبرُ مِرقاةً إِلى السَّماء".

لم يخلقْنا اللهُ لنَنتهي تُرابًا في القبر، بل لنَحيا معه أبديًّا. لقد دعانا الرَّبُّ يسوعُ المسيح لنَتّحِدَ بِه في حياةٍ أبديَّة لا تنتهي، فننتقلَ فيها مِن مَجدٍ إلى مَجد. نحن نَرقُدُ ولا نَموت، لأَنَّ الموتَ رَفضٌ للكلمَة الإِلهيَّة وإصرارٌ على فعلِ الخَطيئَة. لقد قال الرَّبُّ لمَرْثَا أختِ لَعازَر: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا». (يوحنا 25:11). فما هوَ الحالُ إذًا مع والدَةِ الإِله مريمَ العَذراء!؟.

إنَّ ما تُظهرُه أيقونَةُ الرُّقادِ هو حياةٌ وليس مَوت. فنشاهدُ في وَسطِها والِدَةَ الإِله راقدةً، والربَّ واقفًا وحاملًا روحَها وقد أحاطَتهُ الملائِكةُ. هَذا ما نَسمَعُ صَداهُ في سِفرِ الحِكمَة حيثُ نقرأ: "أَمَّا نُفُوسُ الصِّدِّيقِينَ فَهِيَ بِيَدِ اللهِ، فَلاَ يَمَسُّهَا الْعَذَابُ." (حكمة 1:3). لذلكَ نرى روحَ العذراءِ كطِفلَةٍ صغيرةٍ مُكفَّنَةٍ بِكَفَنٍ أَبيض، رمزًا للنقاوةِ والطهارَة.

إنَّ وضعِيَةَ يسوعَ العَمودِيَّة ووضعِيَّةَ مريمَ الأُفُقيَة ترسمانِ صليبًا. الصليبُ قاِئمٌ أيضًا في الوسَطِ لأنَّه يؤولُ إلى القيامَة المجيدَة، وهما متلازمان. فنحنُ نَعبرُ الطَّريقَ، الذي ينبغي أن يكونَ الوحيد في حياتِنا، مِن الصليبِ إلى القِيامَة.

إنَّنا أناسٌ قيامِيّونَ نَحمِلُ صليبَنا دائمًا. لهذا أكَّدَ لنا الرَّبُّ بقوله: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي" (لو 9: 23).

طبعًا ليسَ إلهُنا إلَه عذاب، وليس هذا هو المَقصودُ إطلاقًا. بل يَجِبُ أن نموتَ عن أنانِيَّتِنا وتشامخِنا، ونَنمو في هذه الدُنيا بالمَحبَّة والخِدمَة، والتَسليمِ لمشيئَةِ الله، والعملِ بوصاياه مَهما كلَّفَ الأَمر. لم يَعِدنا الرَّبُّ بحياةٍ خاليةٍ مِن الضيقات، بل قال لنا: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يو 16: 33).

هذا تَحديدًا ما عاشَته والدةُ الِإلَه التي هي الأكثرُ تواضُعًا بين البشر. فتواضُعُها هذا قد جذَبَ الرَّبَّ ليتجَسَّدَ منها. ولأَنَّها وقَفَت تحتَ الصليبِ برجاءٍ كبيرٍ وبِتَسليمٍ كُليٍّ للمشيئَةِ الإِلهيَّة، استحقَّت أن تكونَ أوَّلَ مَن يُعزِّيَها الرَّبُّ بعدَ قيامَتِه. لذلكَ تُرتِّلُ لها الكنيسَةُ: "إنَّ الملاكَ تَفَوَّهَ نحوَ المُنعَمِ عليها، أيَّتُها العذراءُ النقيَّةُ افرحي، وأيضًا أقولُ افرحي، لأَنَّ ابنَكِ قد قامَ منَ القَبرِ في اليَوم الثالث".

إنَّ ما يَلفتُنا في هذهِ الأَيقونَة، هو حجمُ الرَّبِّ الكبير بالمقارَنَة مع الآخرين. كما ظهورُهُ مُحاطًا بالملائكَةِ كَونه المَلِك. كيفَ لا! فَهوَ الضابِطُ الكلَّ والمخلِّصُ الوحيد. وكذلكَ نرى أيضًا ملاكَينِ حامِلَينِ شَمعتَين.

يَظهَرُ في الأيقونَةِ أَنَّ لباسَ يسوعَ لونُهُ ذَهبيًّا ونورانيًّا، لأَنَّه هو النُّورُ مِن النُّور، أمّا الشُّعاعُ الذي يُحيطُ به فخلفيَّتُه داكِنَة، إشارةً إلى أنَّ الجوهرَ الإِلهيَّ لا يُدرَك. والنُّورُ الذي يَصدرُ مِن الرَّبِّ يُنيرُ الأَيقونَةَ التي لا ظِلالَ فيها، كما ينيرُ كلَّ مَن ينظرُ إليها بتخشُّعٍ وصَلاة.

إِنَّ المَشاهِدَ الأُخرى في الأيقونَةِ تُكمِّلُ الحدَثَ، ولها معاني خَلاصيَّة. ففي قِسمِها العُلويّ نشاهدُ التلاميذَ الذين أَتَوا مِن كلِّ حَدبٍ وَصَوبٍ ليُقيموا رُتبَةَ الجنّازِ للعذراءِ مريمَ بَعدَ دفنِها، كما هوَ ظاهرٌ أَعلاه. ونُشاهِدُ أَيضًا والدَةَ الإِلَه صاعدَةً إلى السَّماء، ومَلاكَينِ يَفتحانِ لها الأَبواب. كما نلاحظُ أيضًا أنَّها تُعطي زَنّارَها إلى توما الرَّسول الذي لم يكُن حاضِرًا يَومَ دفنِها، وقد تَأخَّرَ عنه ثلاثة أَيّام. فطلبت مَنه أن يُخبرَ التلاميذَ بأنَّ الرَّبَّ قد نقَلَها إلَيه.

مِن هنا تأتي تسميَةُ هذا الاحتفالِ بعيدِ "الرُّقاد". فالعذراءُ، أقامَها الرَّبُّ في اليوم الثالِثِ لرقادِها، وأَصعدَها إِليه.

يتجمّهرُ في وسطِ الأيقونةِ حَولَ العذراءِ مريم كافَّةُ الرُّسُل وآخرونَ مِن رجالٍ ونِساء. فيقفُ الرَّسولُ بطرسُ مِن جِهَةِ رأسِها حامِلًا مِبخرَةً وخادِمًا للدفنِ، وينتصِبُ مِن الِجهَةِ الأخرى الرَّسولُ بولس. بينما ينحني القدّيسُ يوحنّا الإنجيليُّ فوقَ رجلَيها، وهو الذي قَد عهدَ الرَّبُّ إليه بوالدتِهِ حينَ كان مُسَمَّرًا على الصليب.

هنا لا بُدَّ مِن التوقُّفِ أمامَ أمومَةِ مريمَ الكبيرة التي تَشملُ كلَّ الأجيال. فهيَ تُكَرَّمُ وَتُعَظَّمُ لأَنَّها والدةُ الإِلَه التي لم تَطلب شَيئًا لنفسِها أَبَدًا. لا بل عَلَّمتنا الثباتَ والتَسليمَ لمشيئَةِ الله، والتواضُعَ والمحبَّةَ والخدمَة.

المشهَدُ في أسفلِ الأيقونةِ يخبرُنا أنَّ يهودِيًّا اقتربَ مِن جُثمانِ العذراءِ أثناءَ الَجنازَة، وتجاسَرَ أن يَمدَّ يدَيهِ ليُوقِعَهُ أرضًا، فقطَعَ ملاكٌ يدَيهِ على الفَور.

هذا المَشهدُ يُؤكِّدُ أنَّ لا مُساوَمَة مع عَملِ الشَر، إذ إِنَّه يجبُ قَطعهُ فَورًا دونَ تردُّد. هذا ما يجبُ أن نفعلَه كلَّ مَرَّة تتسلَّلُ فيها الخطيئةُ إلى نفوسِنا: يجبُ أَن نقطعَ يَدَي الشرّير مباشرةً، ونقتلعَ الخطيئَةَ مِن جذورِها.

يذكِّرُنا الهيكلُ الظاهِرُ في خلفيَّة الأَيقونَة بدخولِ مريمَ العذراء إلى هَيكلِ أورشليمَ حيثُ تَربَّت وهي طِفلة، منذُ أن كان عمرُها ثلاث سنوات إِلى أَن بَلغَت إثني عشرَ سنَةً من عمرِها. فهذا كان بمثابةِ استباقٍ لها إذ إنِّها ستصبحُ لاحقًا الهيكلَ اللحميَّ الذي سيقتَبِلُ الإلَهَ فيه ويُقرضُهُ جَسدًا. مِن هنا نلاحظُ أنَّ كلَّ عيدٍ لوالدَةِ الإِلَه مرتبطٌ بالرَّبِّ يسوعَ المسيح.

إنَّ لباسَ والدةِ الإِله، وهيَ راقدَة، ذو لونٍ داكِن. بينما في صعودِها فترتَدي لِباسًا ذهبيًّا مِن الداخلِ كلباسِ الرَّبِّ، وترتَدي مِن الخارِج رداءً خمريَّ اللون إشارَةً إلى مجدِ الرَّبِّ الذي تكلَّلت به. هذا ما نحن مدعوونَ إليهِ جميعًا.

أمّا خلفيَّة الأيقونَة فذهبيَّة ونورانيَّة، وكأنَّنا ننتقلُ مِن خلالها إلى الملكوتِ السماويّ. كيفَ لا والأيقونَةُ نافِذَة إلى الملكوت!.

خلاصة، تَبقى لنا أيقونةُ عيدِ رقادِ السيِّدَة العذراء وَقفَةَ تَأَمُّلٍ في هذه الحياةِ العابرَة. فوالدةُ الإلهِ مِن جِنسِنا، وقد حملَت الرَّبَّ تِسعَةَ أشهرٍ، فَحَملَها هو أَبَدِيًّا.

إلى الرَّبِّ نَطلُب.