في الأسابيع الماضية، عاد الحديث عن إمكانية الذهاب إلى إتفاق لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، برعاية أميركية، إلى الواجهة من جديد، بعد أن كانت قد ظهرت، في الفترة الماضية، العديد من المؤشرات على توتر العلاقة بين الرياض وواشنطن، نتيجة تقرب الأولى من موسكو وبكين في مجالات عدة، الأمر الذي فتح الباب أمام مجموعة واسعة من الأسئلة حول حقيقة ما يحصل.
قبل سنوات، نجح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الوصول إلى إتفاقات تطبيع بين بعض الدول العربية (الإمارات، البحرين، المغرب)، من دون أن ينجح في تحقيق هذا الهدف مع السعودية، التي وضعت شروطاً، لا يبدو أن إسرائيل كانت في وارد التجاوب معها، في حين أن الرياض لم تكن قادرة على التهاون في هذه المسألة، لإعتبارات أبرزها التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، في ظلّ المكانة التي تحظى بها على مستوى العالم الإسلامي.
في المواقف الرسميّة، لا تزال السعودية تؤكد أن الأمر مرتبط بوجوب معالجة القضية الفلسطينية أولاً، الأمر الذي كان وزير الخارجية فيصل بن فرحان قد شدّد عليه خلال زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الماضية إلى المنطقة، حيث أشار إلى أن هذا التطبيع يصب في مصلحة المنطقة، لكن يجب معالجة القضية الفلسطينية أولاً. أما وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين كان أشار، قبل أيام، إلى أنه قد يفتح الطريق أمام "الانسجام الإقليمي الحقيقي"، لافتاً إلى أن "السعودية قدمت للولايات المتحدة، التي تتواصل بين الجانبين، عدة مطالب، من بينها الحفاظ على أمنها في مواجهة العدوان الإيراني".
بالنسبة إلى بعض الأوساط المراقبة لما يحصل، يمكن التشديد على أنّ المسار الجديد يأتي بقوة دفع أميركية بالدرجة الأولى، نظراً إلى أن لدى الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن مصلحة في الوصول إلى هذا الإتفاق، قبل موعد الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في شهر تشرين الثاني من العام المقبل، كما أنها ترى أن هذا الأمر من الممكن أن يبعد الرياض عن موسكو وبكين، لكنها تشير إلى أن قوّة الدفع هذه من الممكن أن تتراجع، في الأشهر المقبلة، في حال عدم التوصل إلى نتائج ملموسة، نظراً إلى أنّ الإدارة الأميركيّة ستكون مضطرة للبحث عن "إنجاز" في مكان آخر، وبالتالي ما يمكن التأكيد عليه هو أن هناك حماسة أميركية في هذا المجال، لكنها تصطدم بعراقيل.
ما تقدم، يدفع الأوساط المراقبة إلى التشديد، عبر "النشرة"، على أن الحديث الأساسي يبقى حول الثمن، الذي من المفترض أن تحصل عليها السعوديّة مقابل هذا الأمر، حيث تدور مختلف التسريبات، التي تظهر في بعض وسائل الإعلام العالميّة، حول مسألتين: الضمانات الأمنية والحصول على دعم أميركي لبرنامج نووي مدني، بالإضافة إلى المطلب السابق المتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالتالي فإن السؤال هنا يتعلق بإمكانية أن توافق تل أبيب على ذلك، بالرغم من تأكيدها أن عامل الوقت قد لا يكون مساعداً؟.
في الأسابيع الماضية، كان مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شبات، الذي يعتبر أحد مهندسي "اتفاقيات إبراهيم"، قد ذهب في مقال له إلى الحديث عن أن التطبيع مع السعودية غاية مهمة، لكنه شدد على أن ذلك ليس بأي ثمن، موضحاً أن "تقديم تنازلات في القضية الإيرانية والمساومة حول مسألة انتشار القدرات النووية في الشرق الأوسط، وتقديم تنازلات على الصعيد الأمني في الساحة الفلسطينية، هي ثمن أبهظ مما يمكن دفعه، حتى مقابل تحقيق إنجاز ملموس من هذا القبيل".
بالعودة إلى رؤية الأوساط المراقبة، الجرأة التي تبديها القيادة السعودية الحالية في مقاربة بعض الملفات الحساسة، تؤكد أنها لا تخشى الذهاب إلى خطوة كبيرة من هذا النوع، لكنها في المقابل لن تكون في وارد ذلك من دون مقابل، خصوصاً بعد أن أظهرت، في الفترة الماضية، أن لديها هامشاً واسعاً في المناورة بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، وهي تطرح نفسها اليوم بصفتها القطب المؤهل لقيادة العالمين العربي والإسلامي، ما يعني أنها لن تبادر إلى ذلك نتيجة أي ضغوط تفرض عليها، مع العلم أنّ أيّ تحول من هذا النوع قد يكون له تداعيات على مستوى المنطقة، خصوصاً على مستوى العلاقة مع إيران.
في المحصلة، ما يمكن الحديث عنه اليوم هو أن هناك مساراً مدعوماً من الولايات المتحدة في هذا الملف، لكنه في المقابل يواجه عقبات قد تمنع الوصول إلى نتائج فيه، نظراً إلى أن الأمر مرتبط بموقف الحكومة الإسرائيلية وقدرتها على تقديم تنازلات كبيرة، في مقابل عدم إستعجال أو إستعداد سعودي له من دون مقابل.