اذا كانت حادثة الكحالة مصادفة لجهة توقيت ومكان انقلاب الشاحنة، فإن ما تبعها من تداعيات ونتائج لا يمكن وضعه في خانة الصدفة، لانه حمل الكثير من الرسائل ويمكن قراءته في اكثر من منظار، وخصوصاً من منظار الربح والخسارة.
بداية، لا بد من الاشارة الى ان الخسائر البشرية هي الافدح في كل انواع الحوادث لانه لا يمكن تعويضها، وبالتالي، فإن التركيز سيكون على الخسائر السياسية وربما الربح، في هذا المجال. وسنستعرض في ما يلي، المعنيين مباشرة (من وجهة النظر السياسية) بهذا الحادث الدموي، ولو انه ترك اثراً على الجميع، الا ان ثلاثة كانوا الاكثر عرضة له: حزب الله، قائد الجيش العماد جوزاف عون، رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. حزب الله وقع في خانة الخسائر، فهو خسر احد عناصره من جهة، واحرج نفسه مع القوى المسيحيّة، واهدى منافسيه ورقة لم يتوقعوها، سيعمل على تفادي نتائجها بطبيعة الحال. ومن الطبيعي الا يكون الحزب في وارد التصعيد، وهو ما بدا عليه الامر منذ اللحظة الاولى للحادث، ومن المؤكد انه تمنى لو وقعت الحادثة في منطقة غير مسيحيّة الطابع، لانه يرغب في ابعاد الانظار عنه في الفترة الراهنة، خلال المفاوضات الدائرة مع التيار الوطني الحر ومع قوى اخرى على الساحة. وتعتبر مصادر متابعة، ان الحزب سيعمد الى تعويض خسارته بأمرين اساسيين: الاول استعادته الاسلحة والذخائر، والثاني حرصه على عدم تسليم اي من مطلقي النار التابعين اليه، ليكون قد ربح معنوياً وحدّ من خسارة لم تكن متوقعة، مع الحرص على عدم تفلت الامور، لان اي مواجهات غير محسوبة وبالتحديد مع المسيحيين، لن تصب في مصلحة الحزب، حتى ولو انه يملك الافضلية في السيطرة الميدانية، الا انه على المدى البعيد، ستكون الخسارة كبيرة ولا قدرة له على تحملها.
اما في ما خص قائد الجيش، فإنه في موقع لا يحسد عليه، فقد وجّه البعض اصابع الاتهام الى القيادة بأنها عمدت الى تأخير الدفع بالجيش الى المنطقة لتطويق الامور ومنع المواجهات، كما ان الاتهامات طالت العماد عون لجهة "تلبيته" مطالب الحزب وتعزيز فرص القبول به كمرشح رئاسي. وبغض النظر عما ستؤول اليه هذه الاتهامات، وما اذا كانت ستتمدد في الساعات المقبلة ام انها ستتراجع مع تقدم الوقت، فإن قائد الجيش، خسر سياسياً، مع ادراك الجميع انه ليس هناك من شك ان اي مواجهة محتملة بين الجيش والحزب ستقوّض حياة لبنان ككل، وستكون بمثابة تشتت لهذا البلد وتدمير اسسه وركائزه وهويته. مع الاشارة الى ان تعاطي القيادة مع حادثة الكحالة، لاقت بالفعل اصداء طيبة لدى حزب الله، من دون ان يعني ذلك بالضرورة، صحة الاتهامات التي اطلقت.
من جهته، يبدو باسيل ايضاً في قطار الخاسرين السياسيين من هذه الحادثة، فهو قد اعاد حديثاً الحرارة الى العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله، ووجد نفسه في قفص الاتهام من قبل قوى مسيحية فاعلة شعبياً، عمدت الى احراجه في الشارع المسيحي واظهاره انه يفضل الحزب على البيئة المسيحية، وانه انما كان يتنلطى خلف المسيحيين والتظاهر بأنه يطالب بحقوقهم، فيما لا يرغب الا تحقيق مصالجه. هذا الاتهام ايضاً، وضع باسيل في خانة الخاسرين، فعمد الى الهجوم المضاد ولم يقف الى جانب الحزب انما لم يهاجمه، وسيعمل في المرحلة المقبلة الى امتصاص النقمة الشعبية واكمال حواره ومساعيه التي كان بدأها لترسيخ نفسه ممراً الزامياً للرئيس المقبل.
اما العبرة فتبقى في ان الجيش بالفعل هو الحل، وان من دونه ستكون هوية لبنان مهددة.