لا نكاد ننام على حرب إلا ونصحو على أخرى. الحروب تتنقل في هذا العالم، من بلد إلى آخر تحت عناوين ومضامين وأهداف متعددة، والمستفيدون قلّة!.

لم تقم الحروب يومًا بسحر ساحر. تطورت أنواعها وأساليبها وأهدافها مع الوقت.

الحروب متى وأينما حدثت لا تخلّف إلا الويلات والكوارث على الدول التي نشبت فيها أو شاركت في إشعالها. وتنعكس عواقبها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والنفسيّة الوخيمة لفترات طويلة، عليها وعلى شعوبها.

حروب عالميّة عرفتها البشرية، ادّت إلى قتل ملايين من الناس الأبرياء، واذ نشهد اليوم على حرب عالمية مبطّنة بين روسيا واوكرانيا، نشبت، مؤخرًا، الحرب في السودان، وأخرى في النيجر، وغدًا لا نعرف أين ستنشب حروب جديدة؟ والحرب في جوارنا لم تنته بعد بالمطلق، وقضيّة فلسطين أم القضايا، ونحن في وطننا على كفّ عفريت، لا نعرف متى تأتي ساعتنا مجددًا، نحن الذين اكتوينا بنار الحرب، ولا سيّما اللبنانية منذ العام ١٩٧٥، وما عشناه من حروب الآخرين على أرضنا، وما زلنا! لدرجة أن رئيسًا للجمهورية لا يمكننا انتخابه عن طريق: "صنع في لبنان"، واليوم يحاربوننا بلقمة العيش، بالمباشر وغير المباشر.

الحرب العسكريّة، على بشاعتها وقساوتها وأضرارها، ليست نقطة في بحر الحروب الإجتماعيّة والأخلاقية التي تجتاحنا يوميّا وبقوة. ولعل أبرزها اليوم ما تشهده الدول الغربية، عبر قرارات وتشّريعات تخالف الطبيعة البشرية، التي على أساسها تكوّنت البشرية. فالتلاعب بمفهوم الجنس البشري، الذي بات سمة العصر الحديث والحرّية المطلقة، لن تتأخر عن انقلاب هذا المسخ الانحلالي على أصحابه. وللأسف، نحن نستورد كل أنواع الفساد الأخلاقي ونتبناه، تحت شعار الحرّية المصطنعة، الأمر الذي سيؤدي إلى فساد أخلاقي عام، لن نعرف عاقبته، إذا لم يبادر القيّمون على التربية في لبنان، زمنيين وروحيين، إلى أخذ المبادرة لضبط التفلّت الأخلاقي والشذوذ الفكري والجنسي في مجتمعنا.

الحرب الأخلاقية أقوى وقعًا من الحروب العسكرية، حيث في الثانية تعرف عدوك، أما في الأولى فالعدو متربّص لك في بيتك ومجتمعك وفي المدرسة والجامعة، وفي كل مكان.

نحن مدعوون إلى انتفاضة أخلاقية بكل ما للكلمة من معنى. مدعوون إلى زرع الوعي في عقول وقلوب شبيبتنا، لكي يواجهوا ونواجه معهم التصحّر الفكري الأخلاقي، عند شريحة كبيرة من الناس، الذين يحملون راية الحرّية، والحرّية منهم براء.

البيت أساس المجتمع، من هنا الصراعات الزوجيّة ستؤدي حتمًا إلى انحلال الأسرة والتأثير تلقائيًا على الأولاد، الذين زاد عدد الانحراف عندهم بأشواط. ويأتي ثانيًا دور المدرسة والمرجعيات الروحية، اللتان تقع على عاتقهما ضرورة التوجيه والتّربية والإرشاد. فإذا تعاونت كل هذه الجهّات بإيجابية نستطيع أن نحد من التفلّت الأخلاقي، علّنا نحافظ على بعض القيم الاخلاقية التي توارثناها من آبائنا وأجدادنا، وتلقناها من مدارسنا ومرجعياتنا الروحية، والسلام.