يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة على مدى الأربع سنوات الماضية، والتي أثرت بشكل عميق على استقراره المالي والرفاهية العامة. نهدف إلى تسليط الضوء على أسباب هذه الأزمة الاقتصادية، وتقديم موجز لتطورها منذ بدايتها وحتى يومنا هذا، مع اقتراح حلول محتملة للتغلب على هذا الوضع الصعب.

يمكن تتبع أزمة الاقتصاد في لبنان إلى المشاكل الهيكلية الطويلة المدى في البلاد، مثل الفساد المستشري، وإدارة الأموال العامة بشكل غير صحيح، واقتصاد مركزي بشكل كبير. ومع ذلك، اشتدّت وطأة الوضع بشكل كبير في تشرين الأول 2019 عندما اندلعت الاحتجاجات ضد الحكومة وقتذاك في جميع أنحاء البلاد، نتيجة زيادة الضرائب المقترحة بشكل عشوائي وغير مدروس نتيجة الافلاس الفكري لوزراء كان الأسهل لهم أن يمدّوا أيديهم الى جيوب المواطنين بسبب الافلاس الفكري لادارة مهترئة فاسدة فاجرة لم تفكّر او تعمل بإتقان، فتدهورت الظروف الاقتصادية بشكل دراماتيكي. وأدت هذه الاحتجاجات إلى فراغ سياسي وزادت من المعاناة حدّة.

أحد مؤشرات انهيار الاقتصاد اللبناني هو تدهور الليرة اللبنانية. فقبل الأزمة، كان سعر الصرف مستقرًا عند حوالي 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي. ومع ذلك، شهدت العملة انخفاضًا كبيرًا، حيث بلغ سعر تداولها أكثر من 15000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء وصولا الى قرابة 140.000 ليرة قبل أن تتراجع الى ما يقارب 93000 ليرة. وأدى هذا التدهور إلى ارتفاع معدّلات التضخم، مما جعل من الصعب بشكل متزايد على المواطن اللبناني العادي تحمل الاحتياجات الأساسية.

علاوة على ذلك، أثّرت على القطاع المصرفي، الذي كان يُعتبر ذراعًا قويًا للاقتصاد اللبناني. ففرضت البنوك قيودًا على السحوبات النقديّة بشكل غير منطقي، محددةً مبالغ الأموال التي يمكن للمودعين سحبها. وهذا أدى إلى حدوث حالة من الذعر الشامل وأضاف إلى تآكل الثقة العامة في النظام المالي. بالإضافة إلى ذلك، بلغت الديون العامة للبنان مستويات لا يمكن تحملها، تجاوزت 170% من الناتج المحلي الإجمالي، مما جعلها واحدة من أعلى معدلات الديون في العالم.

كل هذه المصائب بسبب الحكومات المتعاقبة وسياسات الصرف غير المدوّن و"التطنيش" عن تحضير الموازانات في اوقاتها المحدّدة اضافة الى الصرف الهستيري والسرقات الّتي قام بها بعض كبار المسؤولين أثّرت على الأزمة وفاقم حجم مشاكل الشعب اللبناني بشكل دراماتيكي وكارثي. ارتفع معدل البطالة بشكل كبير، مع إغلاق العديد من الشركات بسبب نقص السيولة وفرص الاستثمار. ارتفعت معدلات الفقر بشكل حاد، وتدهورت الطبقة الوسطى، التي كانت ركيزة للمجتمع اللبناني.

وللتغلب على هذا الوضع الاقتصادي المأزوم، يجب اتخاذ عدة إجراءات. أولاً، بالإصلاحات الشاملة الأكثر من ضرورية لمعالجة المشاكل الهيكلية العميقة التي عانت منها البلاد لعقود. وهذا يتضمن مكافحة الفساد، وتنفيذ ممارسات الحوكمة الشفافة، وتعزيز بيئة تسهّل الأعمال لجذب الاستثمار الأجنبي الملحّ، والغاء الهيمنة من بعض عصابات السياسة الّتي تسيطر على مفاصل لبنان وتديره على مبدأ أنّه دكّان.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة أن تعمل على توفير شبكات الأمان الاجتماعي لتخفيف معاناة السكّان فورًا. وهذا يتضمن تقديم المساعدة الماليّة للفئات الضعيفة، وضمان الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وخلق فرص عمل من خلال برامج مستهدفة وتفعيل بعض المبادرات.

علاوة على ذلك، يجب على لبنان تنويع اقتصاده والتقليل من اعتماده على قطاعات تقليدية مثل البنوك والعقارات، والاستثمار في قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة حيث يمكن أن يحفز النموّ ويخلق اقتصادًا أكثر مرونة.

اضافة الى كل ما سبق ذكره فانّ الدعم والتعاون الدوليين أيضًا ضروريان للتغلب على الأزمة الاقتصادية. مع وجوب البحث عن مساعدة من المنظمات المتعدّدة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي، لضمان الحصول على مساعدة مالية وخبرة فنّية على الرغم من العراقيل الكثيرة الّتي توضع أمام الصندوق المذكور بسبب حفلات الدجل والكذب على مسؤولي "النقد الدولي" والّتي تمارسه بأبهى حلله السلطة السياسية القائمة حاليًّا. علاوة على ذلك، يمكن للمشاركة في الحوار مع الجهات المعنية إقليميًا ودوليًا أن تساعد في جذب الاستثمار لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، اذا صفت النوايا من النكد والحقد والطائفيّة البغيضة.

في الختام، أدّت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى تداعيات واسعة النطاق، وأثّرت على حياة المواطنين وهدّدت ولا تزال تهدّد مستقبل البلاد. ومع الإصلاحات الشاملة والسياسات المستهدفة والدعم الدولي، يمكن تجاوز الأزمة وفتح الباب أمام مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة. اضافة الى انه من الضروري أن تتحد جميع الأطراف المحلية والدوليّة وتعمل نحو آفاق اقتصادية أكثر إشراقًا. فهل من حلول للتعافي في ظلّ سلطات فاسدة؟!.