وكأنه كُتب للمؤسسة العسكرية أن تدفع ضرائب باهظة فداءً عن وطن الأرز وشعبه. ما هذا القدر الذي يتربّص بضباط الجيش وعناصره! حتى الطبيعة وقفت ضدّهم، ما أدّى إلى سقوط شهيدين، النقيب جوزيف حنّا، والملازم الأول ريشار صعب، رحمهما الله.

شهيدان على مذبح هذا الوطن، انخرطا في هذه المؤسسة، التي نحترم ونجلّ، إيمانًا منهما بلبنان وبمؤسسة الجيش اللبناني، التي لم تبخل في تقديم الغالي والنفيس كمحرقات على مذبح هذا الوطن، ليبقوا أوفياء لقسمهم.

جوزيف وريشار، هويا كالنسر وباتا في جنّة الخلود. رحمات الله فلتنسكب عليهما.

طبعًا الموت حق، وأنا على يقين أن الله سيلهم أهل الفقيدين الصبر والسلوان على هذه الخسارة الفادحة، التي لا تعوّض، إلا من خلال الدعاء لزملاء الضابطين الشهيدين، بأن يحفظهم الله ويحميهم من كلّ شرّ، ويعوّض على مؤسسة الجيش بضباط أبطال مقدامين، مثل جوزف وريشار.

لا أستطيع أن أعدد مآثر الشهيد جوزيف لعدم معرفتي الشخصيّة به وبأهله، إلا أنني على ثقة بأنّ عائلته ستنتصر على حزنها برجاء قيامة المسيح الناهض من بين الأموات، وستحمل صليب الألم والحزن وتسير به درب الجلجلة، لتصل بجوزيف إلى وجه السيد، الذي وطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور.

لكن اسمحوا لي أن أوجّه بطاقة تعزية خاصة لأهل الشهيد الملازم أول ريشار صعب، ابن المدينة التي انتمي إليها وأخدمها، مدينة الشويفات، التي فقدت بغيابه شابًّا لطيفًا طيبًا محبًّا متواضعًا، وضابطًا ملتزمًا شؤون الوطن وشجونه.

ريشار، ابن العائلة المعروفيّة التوحيديّة الأصيلة، ابن عائلة صعب الأكارم، أصحاب اللطف والفضائل، وابن عائلة تربت على الدين، والأخلاق، والإيمان، والعلم، والثقافة، والفن، والإبداع. إن شهيدنا البطل ريشار تحلّى بالنبل والأخلاق والسمعة الطيّبة. أحبّه رفاقه وأحبّه أبناء مدينته، الذين يذرفون الدمع على فراقه الأليم والمحزن، لكنّهم ورعون ومؤمنون بمشيئة الله تعالى، وعارفون أنّ الموت حق.

أُقدّم تعازيّ الحارّة لمؤسسة الجيش، وأشدّ على أيادي أهل الشهيدين ورفاقهم، وأخصّ بالتعزية والدة ريشار وأفراد أسرته، وأتقدم من عمًه، الصديق والأخ الكريم، فضيلة الشيخ نزيه صعب (مستشار سماحة شيخ عقل طائفة الموحّدين)، بأحرّ التعازي، آملًا أن يحلّق قلمه كالنسر، ويرثي ريشار بقصيدة وداعيّة، تبلّسم جراح عائلته الصغرى والكبرى على السواء.

رحم الله جوزف وريشار، اللذين لبسا إكليل الغار ومجد الشهادة، وسكب في نفوس أهلهما الصبر والسلوان.