هل قرأ السياسيون مضمون تقرير "الفاريز اند مرسال" بشأن التدقيق المالي في مصرف لبنان؟ بالكاد اطّلع على تفاصيله عدد ضئيل جداً من السياسيين، فيما لم يعرف العددُ الأكبر من النواب وقيادات القوى السياسية مضمون ما جاء في التقرير، لأنه لم يُترجم الى اللغة العربية، لغاية الان، مما يضع علامات استفهام حول رفع الخطاب السياسي والاعلامي، ورمي الكرة في الملعب القضائي وحده من دون سواه، في عملية هروب سياسي جماعي، بينما تتحمل القوى السياسية المسؤولية الاساسية في شأن الملف المالي.

تؤكّد مصادر مطّلعة ان معطيات التقرير لا قيمة عملية لها، من دون الاطّلاع على السند القانوني للعمليات التي جرى التدقيق فيها: كان المطلوب من التدقيق الجنائي الاشارة الى الادلة التي تحدّد المسؤوليات، وتوثّق المخالفات. وهو ما يحتّم على وزارة المالية اعادة الطلب من شركة التدقيق كي تحوي تقاريرها الادلة، للاستفادة منها في العمل القضائي، للوصول الى الحقائق.

واذا كانت قوى سياسية ذهبت مباشرة الى التهجّم على القضاء، وتحديداً على النيابة العامة التمييزية، نتيجة "توزيع الملفات على أكثر من جهة قضائية"، ووصفهم تلك الخطوة القضائية بالتمييع، فإن ردّ وزير العدل هنري الخوري كان واضحاً: الأمر طبيعي لأنه يدخل في صلب صلاحياتها ومسؤولياتها، خصوصاً ان النيابة العامة لا تستطيع الادّعاء، بل هي تقوم بتحويل الملفات إلى النيابات العامة التي تقوم بدورها في الادّعاء، بحسب الاختصاص. وهنا يستغرب وزير العدل اتهام النواب القضاءَ بالتقصير، قائلاً: دعوا القضاء يأخذ وقته. مما يعني ان تصرّف النائب العام التمييزي غسان عويدات مهني ومسؤول.

بينما تبدو المسؤولية السياسية هي الاساس في هذا الملف المالي وسواه، انطلاقاً من أنّ تلكؤ القوى السياسية طيلة عقود مضت اوصل لبنان الى ازمته المالية حالياً، كما ان القوى نفسها هي التي حمت المرتكبين، وشرّعت قوانين الرعاية، ولم تتحمل مسؤولياتها في المساءلة في المجلس النيابي.

لذلك، فإن المحاسبة الفعّالة تبدأ في السياسة، من المجلس النيابي، والحكومة التي يتوجب عليها الطلب من شركة التدقيق اعادة تأطير تقريرها، وتحديد الادلة، بشكل يسمح للقضاء القيام بدوره. الا اذا كان المطلوب في حسابات القوى السياسية التعمية عبر اطلاق مواقف اعلامية، ورمي المسؤولية في الملعب القضائي.