اشار وزير الدولة لمكافحة الفساد السابق نقولا التويني، خلال تلبيته دعوة الجامعة اللبنانية الدولية LIU ومنطمي مخيم الشباب العربي، للتحدث عن خبرته الوزارية في مكافحة الفساد تحت عنوان: الوزارة بين النزاهة والفساد، الى ان "وزارة الدولة التي توليتها أعتقد أنها كانت اول وزارة عربية انشأت لمكافحة قضية الفساد في البلاد العربية وفي لبنان خاصة، واكثر من هذا كانت الوزارة الأولى والأخيرة في بلدنا لبنان بعد ان تأسست سنة 2017 حتى نهاية 2018 ثم تمّ الغاؤها في الحكومات الثلاث المتعاقبة حتى اليوم".
واوضح أن "الفساد هو انتصار القوي على الضعيف، هو تكريس السلطة الجامعة اي سلطة الدولة لخدمة الفرد او عدد من الأفراد على حساب المجتمع للإستفادة المادية، وسرقة اموال وجهود واعمال اولاد المجتمع الخيرين والمنتجين هو انتصار غير المنتج على المنتج. الفساد هو انتصار للشر على الخير، الباطل على الحق وهو انقلاب المفاهيم الدينية والفلسفية لخدمة الشر والاشرار.
ولفت الى ان "كيف لنا ان نعالج هذه المشكلة الكبيرة التي تأكل قواعد وأسس مجتمعنا وتدمر مجتمعاتنا من الداخل بدون ذكر الهزيمة والحروب واحتلال اراضينا من فلسطين الى سوريا ولبنان، اننا نرى الأخفاق والتخلف يأكل اعمدة بلادنا فما حصل في لبنان مؤخرا" سابقة تاريخية وعالمية، سابقة لم تراها الإنسانية من قبل اذ اقدمت مجموعة مالية مشبوهة مجرمة الى مصادرة مدخرات المودعين شملت ما يقارب 2 مليون لبناني وعربي وتعدى المبلغ المصادر حوالي 125 مليار دولار اميركي، ودخلت بلادنا في دوامة الأزمة الإقتصادية الخانقة حتى اليوم. من اهداف الفساد في إستراتيجية الصراع هو تحقير الدولة والمؤسسات العامة وهذا يعتبر الهدف السامي او الهدف الاقصى المنشود،فالفساد وجد لضرب الدولة كمؤسسة اوكناظم عام للحياة الإجنماعية والإقتصادية".
واعتبر ان "الاهداف العملية المباشرة السائدة للتعاطي بين عملية الفاسد والمفسد فهي الاستفادة المادية وسيطرة القوي على الضعيف باتباع طرق ملتوية للكسب لا علاقة لها بالعمل والكد والانتاج بل بتمكين الفاسد من الحصاد الوفير من حيث لم يزرع وقلب معادلة الحق والانصاف باستملاك الحقوق بالقوة والخديعة"، مشيرا الى ان الوزارة اتجهت الوزارة منذ اول يوم لنشأتها الى اصدار قوانين مكافحة الفساد، وكان لنا الدور الكبير مع الآخرين في دراسة هذه القوانين في اللجان البرلمانية الفرعية وثمّ اصدارها قوانين برلمانية خلال سنة فأبرز هذه القوانين التي تمّ سنها في لبنان في اللجان المختصة البرلمانية سنة2017/2018:
- قانون تكوين الهيئة العليا لمكافحة الفساد
- قانون حرية الوصول الى المعلومات
- قانون حماية كاشف الفساد
- قانون الشراء العام
- تعديل قانون الأثراء غير المشروع
- الإستراتجية الوطنية لمكافحة الفساد".
وذكر ان "دراسة وتقييم تجربة الدول الأخرى في مكافحة الفساد في فرنسا وسويسرا والمانيا وبولندا ودول اخرى، فاكتشفنا انّ في بولندا مثلا كانت مجمل قضايا الفساد عند تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حوالي 4500 قضية وبعد 4 سنوات من العمل الدؤوب انخفضت قضايا الفساد في بولندا الى 600 قضية سنويا. لاحظنا من تجربة الشعوب في هذا المجال ان الفساد وآفته بالإمكان السيطرة عليه وتخفيض مساوئه الإجتماعية وكبحه باصدار القوانين اللازمة وتطبيقها بقوانين ملائمة وكان الملاحظ ان النمو الإقتصادي والوفرة في بولونيا مثلا ارتفعت على مدى السنوات الأربعة التي تمّ السيطرة عليها على الفساد المستشري. ولمعرفة ما جرى هناك حساب اقتصادي بسيط لو كان الفساد يأكل من الإستثمارات ما يقارب 5% بالماية فهذا ينعكس على النمو بنسبة 1 او 2% سلبا على النمو العام في الدخل القومي وهذا رقم كبير جدا!! فمعادلة مكافحة الفساد هي معادلة رابحة جدا اقتصاديا" واجتماعيا" وهي عملية مربحة جدا وغير مكلّفة حيث تتطلّب سن القوانين وتطبيقها عبر الملاحقة والإستقصاء والمحاكم المختصة بجهاز فني وقانوني متواضع كلفته زهيدة جدا" بالمقارنة مع النتائج المتوقعة الا وهي واحد او اثنان بالماية نمو اضافي لحسابات الدخل القومي".
في هذا السياق، تحدث عن ان"الإثراء غير المشروع الفاسد هو آفة مجتمعنا الحقيقية وعشق التسلّق الإجتماعي والتحايل على نظم الإنتاج الانسانية الحديثة، والتي تتلخص من الدراية والتدريب والدراسة الجامعية الى التوظيف والإستثمار والإنتاج الزراعي او الصناعي او المعرفي. ان حبّ كسر هذه السلسلة الإجتماعية الإنتاجية الإنسانية الشريفة والقفز عنها والتسلق الى المغانم عبر الفساد او عبر تحويل الدولة من دولة مركزية منتجة الى دولة مغانم يستفيد منها بعض المنتفعين الفاسدين. هذا هو الواقع الأليم الذي وصلنا اليه اليوم في لبنان في ظل ما نعانيه يوميًا من فقر وحرمان بعد مصادرة المدخرات والودائع، مما افقر جميع الطبقات الإجتماعية وحوّل الأكثرية الى طبقة الفقراء الجدد امام حفنة جشعة من حديثي النعمة....
اتى بعد ذلك الإنحطاط الإقتصادي والأخلاقي فتحولّت دولة لبنان الى ما يسمى دولة فاشلة وهو مصطلح استعملته الدول الرأسمالية الضربية المتقدمة عندما ارادت تعليل فشل دولة ما في انجاز حماية حقوق المواطنين والسيطرة على تنظيم الإنتاج والإقتصاد وكذلك تأمين آمن الحياة الكريمة".