انعقدت الدورة الثانية من المؤتمر الدائم حول التراث المسيحي المشترك في الوادي المقدس، بتنظيم رابطة قنوبين للرسالة والتراث، في بيت الذاكرة والإعلام في موقع حديقة البطاركة، الديمان، بحضور البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
واشار رئيس رابطة قنوبين للرسالة والتراث نوفل الشدراوي، الى "إن مبادرتنا إلى عقد مؤتمرات متوالية ترتبطُ بأهمية تراث الوادي المقدس، وبضخامة الإرث الروحي والثقافي الذي يختزنهُ هذا الوادي. وهو إرث لم يستوفِ بعدُ حقَهَ في العنايةِ والبحثِ والنشرِ والتعميمِ والنقلِ من لبنان الى العالم".
بدوره، تحدث الراعي عن "أهمية انعقاد الدورة الثانية من المؤتمر، بعد الأولى التي انعقدت في عام 2019، رغم الظروف الصعبة التي نعيشها".
وتوزعت مداخلته على ثلاثة محاور: "الدور التاريخي للمسيحيين في النهضة العربية وفي احياء التراث المشرقي المشترك، وقنوبين والتراث المشترك، والوادي المقدس والكنيسة الجامعة".
وتطرق إلى واقع الوادي المقدس، لافتا الى اننا "أطلقنا، بواسطة رابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث، مشروع تجديد الحياة الروحية في الوادي، من خلال ترميم الأديار المهجورة وتأهيلها لاقامة جماعات مكرسة فيها. وبوادر أقبال هذه الجماعات على هذه الأديار تلوح، مبشرة بالخير الروحي المرجو. ومن شأن هذا التجديد أن يفتح الباب واسعاً أمام إعادة إحياء عيش المشترك بين المسيحيين في هذا الوادي. وهذه المواقع التي ترمم وتؤهل تباعاً هي في خدمة تعزيز هذا المشترك وتطويره، كونها معدة لاستقبال الجماعات المكرسة من كل الكنائس الشقيقة".
أضاف: "إلى جانب مشروع التجديد الروحي هذا، سعينا، على الصعيد المادي، الى تأهيل طريق الوادي. وبعد جهود مضنية، صدرت القرارات التنظيمية اللازمة من قبل الجهات المعنية، إلا أنها بقيت حبرا على ورق بسبب غياب الدولة عن مسؤولياتها، وبسبب قصورها عن وعي أهمية هذا الوادي وفرادته الروحية والثقافية والطبيعية، مما يعطل تشغيل هذا المرفق الحيوي المهم، الذي تمثله طريق الوادي".
كما اشار المطران كيرياكوس كلمة البطريرك يازجي، الى "إن الآثار المسيحية الغنية في وادي قنوبين تشهد لأصالة المسيحية في بلادنا منذ القديم، والجدير بالذكر أن كلمة قنوبين koivovion تعني حرفيا الحياة المشتركة. من انطاكيا كرسي الرسولين بطرس وبولس، خرجت البشارة الى العالم المعروف آنذاك، الى عاصمة الإمبراطورية الرومانية وبدلت عبادة القيصر الى عبادة المسيح الإله".
وذكر ان "منذ مطلع الانتشار المسيحي، غدت على سبيل المثال مدينة طرابلس كرسياً أسقفياً، فإن بطرس الرسول في طريقه الى انطاكية سام أول أسقف عليها، وهو مارونس. كان وادي قنوبين مركزاً لإنعاش المسيحية في بلادنا عن طريق رهبانه، فهو رسالة إنسانية لا بد منها في العالم اليوم تذكّر الإنسان المعاصر بأن الحاجة إلى واحد (لوقا 10: 42) وأن رسالة المسيحيين في شرقنا، وبخاصة الشباب اليوم في الشرق والغرب هي أن يحملوا نور الإنجيل في قلوبهم".
وألقى القمص الأنطوني كلمة البطريرك تواضروس الثاني، وقال فيها: "سكن الرهبان القدامى الأودية وشقوق الأرض والجبال الوعرة المسالك، وحولوها من أماكن يصعب السكن فيها الى فردوس، حيث يلتقي الإنسان مع المسيح في هدوء البرية، ونما عدد الرهبان والنساك، وسكن كثيرون منهم في تلك المغاور البسيطة في شكلها والعميقة في روحانياتها فازدهرت الحياة الرهبانية والنسكية في ذلك الوادي المقدس، وأصبحت محطة من محطات التاريخ".
أضاف: "نظر التاريخ نظرة شامخة لما صنعه الرهبان في هذا الوادي المقدس وما تركوه لنا من تراث تتغنى به الكنيسة الى هذا اليوم. ان كل شبر وكل مغارة تم حفرها في هذا الوادي المقدس شهدت حقبة من تاريخ الاضطهاد الذي وقع على الكنيسة، وكل شجرة تم زرعها وأطعمت الساكنين في هذا الوادي ارتوت بدموع الآباء الرهبان ونمت بصلواتهم وتضرعاتهم".
وتابع: "ان المحافظة على التراث الرهباني في الوادي المقدس هو واجب على كل كنيسة تريد أن يتذكر أولادها الثمن الذي دفعه أجدادهم في سبيل الحفاظ على معتقداتهم أمام التيارات الأخرى. ليس الحفاظ على التراث الثقافي في الوادي المقدس هو ترميم المباني والكنائس والأديرة، بل هو يمتد الى أكثر من ذلك، إنه توعية أبنائنا على أهمية الحفاظ على تراث أجدادنا".
ثم ألقى المطران قصارجي كلمة البطريرك ساكو، وذكر ان "بدأت الحياة الرهبانية تنبض في جسد الكنيسة منذ نهاية القرن الثالث الميلادي ومطلع القرن الرابع، حيث ظهرت أولاً في شكلها النسكي، ثم في إطار الحياة المشتركة، لا سيما في مصر أولاً مع القديس انطونيوس الكبير أبي الرهبان والقديس باخوميوس وسواهما".
وتابع، "انتشرت الحياة الرهبانية بعد ذلك في بلاد سوريا وما بين النهرين، وانتظمت الحياة المكرسة الجماعية شيئا فشيئا في منتصف القرن السادس حينما أسس ابراهيم الكشكري الكبير دير إيزلا الواقع بين نصيبين وماردين في تركيا الحالية، وسرعان ما أصبح هذا الدير مركز اشعاع مهم للحياة الرهبانية وللنشاط الرسولي والثقافة المشرقية الاصيلة".
وتابع: "قبل انقسام كنيسة المشرق الى قسمين، حين انضمام فريق منها الى الوحدة بالكرسي الرسولي، انتشرت في العراق الحياة النسكية التوحدية وظهرت ملامح كثيرة للحياة الجماعية المشتركة".