ليس خافيًا على أحد أنّ قائد الجيش العماد جوزيف عون مصنَّف منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، أحد المرشحين " الجدّيين" لخلافته، وأنّ ترشّحه يكتسب المزيد من "الجدية" مع كلّ يومٍ إضافي من الشغور في قصر بعبدا، ولو أنّ أيّ فريق لم يعلن "تبنّيه" بصورة رسمية حتى اليوم، ربما بانتظار نضوج بعض المعطيات، وبلورة بعض المواقف، التي تمنع تحوّله إلى "كبش محرقة"، كغيره من الأسماء التي وُضِعت في "البازار".
لكن، ليس خافيًا على أحد أنّ طريق "القائد" إلى قصر بعبدا تصطدم بالكثير من المطبّات، وربما "الألغام"، قد يكون من بينها التعديل الدستوري الذي تتطلّبه، باعتبار أنّ الرجل كان يفترض أن يستقيل قبل موعد الانتخابات الرئاسية، ولو أنّ البعض يستند إلى "سابقة" ميشال سليمان للإيحاء بإمكانية "تجاوز" هذا "التفصيل"، لكن يبقى أهمّها "الفيتو" الذي يشهره رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، في وجهه منذ اليوم الأول.
إلا أنّ ما قد لا يكون خافيًا على أحد أيضًا هو أنّ "أسهم" قائد الجيش عادت لترتفع بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، مع تسجيل سلسلة "مفارقات" يمكن البناء عليها، تمثّل أبرزها باللقاء "النوعي" الذي جمع الرجل برئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، والذي جاء بعد أيام من عشاء جمعه مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، كرّس العلاقات "الممتازة" بين الجانبين، ما دفع كثيرين للاعتقاد بأنّه يمكن أن يشكّل نقطة "تقاطع" بين المعسكرين.
ولأنّ قائد الجيش لطالما شكّل "كلمة سرّ" الحراك القطري الدائر في الكواليس، والذي قد يصبح علنيًا إذا ما "سقطت" المبادرة الفرنسية في الزيارة المرتقبة لموفد الرئيس إيمانويل ماكرون، الوزير جان إيف لودريان، المرتقبة هذا الأسبوع، يصبح السؤال أكثر من مشروع: هل يوضَع ترشيح قائد الجيش على الطاولة بصورة جدّية ورسمية هذه المرّة؟ وهل باتت "الموازين" فعلاً لصالحه، على الرغم من "فيتو" باسيل شبه المُعلَن؟.
بالنسبة إلى العارفين، فإنّ ترشيح قائد الجيش ليس وليد اللحظة، ولا نتاج تطورات الأيام الأخيرة، إذ إنّ المتابع للكواليس السياسية يدرك جيّدًا أنّه عمليًا ضمن الدائرة "الضيّقة" للمرشحين "الجدّيين"، بل ثمّة من يعتقد أنّ المعركة الحقيقية لا تدور سوى بينه وبين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، باعتبار أنّ كلّ الأسماء التي يتمّ تداولها بخلافهما لا يهدف عرّابوها سوى لـ"تقطيع الوقت" بانتظار لحظة "الحسم"، إن جاز التعبير.
ولعلّ نقطة "قوة" الرجل، وفق ما يقول هؤلاء، تكمن في "حيثيّته" الخارجية، فهو يمتلك غطاءً إقليميًا ودوليًا وازنًا، فضلاً عن علاقته "الممتازة" مع الولايات المتحدة، علمًا أنّ بعض المصادر تؤكد أنّ المجموعة الخماسية بشأن لبنان كادت في اجتماعها الأخير في الدوحة، تعلن "تبنّيها" ترشيحه، قبل أن تتريّث في ذلك، باعتبار أنّ مثل هذا الإعلان يجب أن ينطلق من الداخل اللبناني أولاً، لتتلقّفه الدول "الصديقة" بعد ذلك.
وليس خافيًا على أحد أنّ اسم قائد الجيش يتصدّر ما سُمّيت بـ"المبادرة القطرية" الموازية لتلك "الفرنسية"، وهي المبادرة التي يقول العارفون إنّها "منسّقة" مع سائر أطراف "الخماسية"، ولا سيما السعوديين، كما أنّ الأميركيين يجدون أنفسهم "أقرب" إليها من الأفكار الفرنسية القائمة على المقايضة أو الحوار، علمًا أنّ الدوحة سبق أن "جسّت نبض" الكثير من القادة اللبنانيين، وبينهم باسيل، في احتمال الذهاب إلى "تسوية" انتخاب عون رئيسًا.
وفي السياق نفسه، يلفت العارفون إلى اعتقاد "شائع"، ويحتمل الكثير من الصحّة، بأنّ قائد الجيش هو المرشّح "الحقيقي" لقوى المعارضة، التي لا تتعامل أصلاً بجدية مع المرشحين الذين "تستهلكهم" في "الوقت الضائع"، من ميشال معوض إلى جهاد أزعور وغيرهما، لكنها تريد "تعبيد الطريق" أمامه بالدرجة الأولى، حتى لا يلتحق ترشيحه بمن سبقه، فيخسر "المعركة" مع فرنجية، بدل أن يكون مرشح "التوافق والتسوية" كما يفترض.
لا يعني ما تقدّم أنّ أيّ شيء لم يتغيّر في الأيام الأخيرة، إذ يقول العارفون إنّ ترشيح قائد الجيش قد يكون فعليًا خطا أولى خطواته نحو "حجز مكانه" بصورة رسميّة في "البازار"، ولو أنّ كل المؤشرات تؤكد أنّه لم يتخطّ كلّ "العوائق" حتى الآن، طالما أنّ المرشح "الجدّي" المنافس سليمان فرنجية لا يزال في قلب "المعركة"، ويحظى بالدعم الكامل من جانب معسكر "حزب الله"، ولو أبدى الأخير "مرونة" في مكانٍ ما.
ضمن المتغيّرات أو المؤشرات، يتوقف العارفون عند اللقاء الذي جمع محمد رعد وجوزيف عون، وسُرّب للإعلام في الأيام الأخيرة، وهو لقاءٌ تفاوتت الآراء بشأنه، بين من قرأ فيه "رسالة ثقيلة" إلى باسيل تحديدًا، قوامها أنّ الحزب جاهز للبحث بخيار قائد الجيش جديًا، إذا ما استمرّ بالمناورة والمماطلة في الحوار معه، ومن رأى أنّه "حُمّل أكثر ممّا يحتمل"، باعتبار أنّ اللقاء "مضخَّم"، ولا يفترض أن يُعطى تفسيرات في غير مكانها.
لكنّ أهمية اللقاء برأي البعض تأتي من كونه جاء بعد أيام فقط من اللقاء الذي جمع قائد الجيش بالموفد الأميركي، والذي اختصرت "استثنائيته" صورة تعمّد الأميركيون "تظهيرها" لعون بالزيّ المدني، لا العسكري، وقد فُسّرت "إشارة مبطنة" إلى دخول "القائد" المعترك الرئاسي بشكل جدّي، مع دعم أميركي غير مستتر، بل إنّ هناك من رأى في الصورة إعلانًا أميركيًا بأنّ عون يقترب من أن يكون "مرشحها" لرئاسة لبنان.
إلا أنّ كلّ هذه المؤشرات تبقى غير كافية للاعتقاد بأنّ "الفرج الرئاسي" قد اقترب فعلاً، وأنّ "التفاهم" على قائد الجيش بات قاب قوسين أو أدنى من أن يبصر النور، فمثل هذا التفاهم له "ممرّ إلزامي" هو الحوار، الذي لا يبدو أنّ فصوله قد اكتملت، فضلاً عن أنّ "فيتو" باسيل لا يزال مؤثّرًا، علمًا أنّ ثمّة انطباعًا بأنّ "حزب الله" أراد من لقائه بعون "استفزاز" الأخير، وربما "ابتزازه"، لتقريبه أكثر من "خيار" فرنجية، وليس العكس.
في النتيجة، لا شيء يدعو للتفاؤل رغم كلّ شيء بأنّ الدخان الأبيض سيتصاعد أخيرًا من استحقاق الرئاسة، لينهي فراغًا يقترب من إحياء ذكراه السنوية الأولى في غضون أسابيع فقط، وربما أيام، بل إنّ كلّ المواقف على أهميتها تندرج حتى الآن في خانة "المناورات والضغوط"، ليس إلا، من هذا الجانب وذاك، من دون أن تأخذ في الاعتبار "الانهيار" الذي يزداد "عمقًا" مع كلّ دقيقة "شغور"، ولو "طبّع" كثيرون مع هذا الوضع!.