البابا الآتيُ "مِن أقاصيَ الأرضِ"، في زيارَتِهِ لِمَقلِبِها الآخَرِ، قالَها مُفتَخِراً: "الإيمانُ هُنا لا يَعودُ إلى تِسعِينيَّاتِ القَرنِ الماضي، فَجُذُورُهُ قَديمَةٌ جِدَّاً. هُناكَ خُبُراتُ الألفِيَّةِ الأولى، ومُنطَلَقُها الحَرَكَةُ التَبشيرِيَّةُ لِلكَنيسَةِ ذاتِ التَقليدِ السُريانِيِّ التي إنتَشَرَت طولَ طَريقِ الحَريرِ. وأعقَبَها جُهدٌ إرساليٌّ كَبيرٌ: كَيفَ لا نَذكُرُ بَعثاتِ القَرنِ الثالِثَ عَشَرَ الدِبلوماسِيَّةِ، ثُمَّ النَشاطَ الرَسولِيَّ مَعَ تَعيِّينِGiovanni da Montecorvino حوالي 1310، أوَّلَ أُسقُفٍ لـ Khān Bālīqوَمَسؤولاً عَن هَذِهِ المِنطَقَةِ الشّاسِعَةِ مِنَ العالَمِ تَحتَ حُكمِ السُلالَةِ المَغولِيَّةِ Yuan؟ وَهو قامَ بأوَّلِ تَرجَمَةٍ إلى المُنغولِيَّةِ لِلمَزاميرَ وَلِلعَهِدِ الجَديدِ"...

هوَذا كَلامُ الحَبرِ الأَعظَمِ، وَفيهِ حَقيقَةُ أنَّ مُخاطَبَةَ الأَثَرِ أبقى مِن مَوتى يَرِثونَ مَوتى، حِينَ الباقِياتُ في لبنانَ-المُنطَلَقِ الى أنجَلَةِ العالَمَ، قُبُلاتُ غِشٍّ وَتَباهٍ بالتَفَوُّقِ على العِزَّةِ الإلَهِيَّةِ، بِغَباءٍ دونِيَّتُهُ ما عَرِفَتها أرضٌ.

أجَل! مِن لبنانَ إنطَلَقَت إطلالاتُ أبَدٍ، مَعَ أبرارَ، خَلَعَ عَلَيهِمِ نُسكُ الوَعرِ فِردَوساً تَوَغَّلوا بِهِ الى أعاميقِ إمبراطورِيَّةٍ إندَثَرَت، وَبَقِيَت فيها المَسيحِيَّةُ وجودِيَّةً فَتِيَّةً (نَحوَ 1400 فَردٍ مِن 3 مَلايينَ وَنَيِّفٍ).

أجَل! عِشقُهُمُ الإلَهيُّ حَمَلوهُ مِن كُهوفِ لبنانَ، على دُروبِ الحَريرِ... الى مَنازِلَ مُنغوليا التَقليدِيَّةِ المُتُنَقِّلَةِ، المَعروفَةِ بإسمِger ، وَفي عُلُوِّها نافِذَةٌ لِلسَماءِ الأَبَدِيَّةِ.

كانَ ذَلِكَ، "... قَبلَ 777 عاماً بالضَبطِ، بَينَ أواخِرَ آبِ وَبِدايَةَ أيلولِ 1246، إذ جاءَ Fra Giovanni di Pian del Carpine موفَداً بابَوِيَّاً، لـGuyug الإمبَراطورِ المَغوليِّ الثالِثِ، حامِلاً لِلخانِ الأكبَرَ رِسالَةَ البابا إينوشِنسيوسَ الرابِعَ." إنطَلَقَ، بِرِفقَةِ... وَفدٍ مِن مَوارِنَةِ لبنانَ، مِن صَيدا حَيثُ إستَقَرَّ لويسُ التاسِعُ، المَلِكُ-القِدِّيسُ.

عَصرَها، كانَ العالَمُ في تَصارُعٍ سياسو-دينيٍّ: الصَليبِيُّونَ في الشَرقِ. الإسلامُ مُتَنابِذٌ بَينَ 3 خُلَفاءَ: أُمَوِيُّو الأندَلُسَ، وَفاطِمِيُّو مِصرَ، وَعَبَّاسِيُّو مَشرِقِ المُتَوَسِّطِ الى سَمَرقَندِ. والمَسيحِيَّةُ المَشرِقِيَّةُ مُتَنابِذَةٌ بَينَ هَراطِقَةٍ، وَمونوثيليِّينَ يَحصُرونَ المَسيحَ بِطَبيعَةٍ واحِدَةٍ، وَمُتَمَسِّكينَ بِتَعاليمَ الكَنيسَةِ الجامِعَةِ المُثَبَّتَةِ بِمَجمَعِ خَلقيدونِيَةِ (العامُ 451) المُعتَرِفِ بِطَبيعَتَي المَسيحِ: الإلَهِيَّةِ والبَشَرِيَّةِ.

وَحدُهمُ المَوارِنَةُ إعتَصَموا بِـ"أورثوذُكسِيَّتِهِم"، على قَولِ عَلَّامَتِهِم جِبرائيلُ إبنُ القِلاعي. فَكانوا الحَجَرَ المَرذولَ على العاصِي، الغاديَ حَجَرَ الزاوِيَةِ في الأُمَّوِيَّةِ-الكَنَسِيَّةِ السُريانِيَّةِ بَعدَ تَعَمشُقِهِمِ بِقِمَمِ لبنانَ. حَتَّى إسمُهُمُ إشتُقَّ مِن "ماران" وَيَعني "رَبَّنا يَسوعَ المَسيحِ" وَ"موريو" أيّ "الرَبُّ المَسيحُ"، تَوكيداً لِثَباتِ إيمانِهِمِ الذي سَيُعليهِ البابا إينوشِنسيوسُ عَينُهُ، وإلَيهِ سَيَستَنِدُ لويسُ القِدِّيسُ-المَلِكُ عَينُهُ في إرسالِهِ وَفداً مِنهُمُ بِمَعِيَّةِ الأخ الفرَنسيسكانيِّ Guillaume de Rubrouck، العامَ 1253 لِلتَحالُفِ مَعَ الخانِ الأكبَرِ بِهَدَفِ مُحارَبَةِ المَماليكَ وَ...إرتِدادِ المَغولِ لِلمَسيحِيَّةِ.

7 قُرونَ... والتَحالُفُ السِياسو-عَسكَرِيِّ لَم يَقُم.

وَحدُها المَسيحِيَّةُ المُنغولِيَّةُ تَجَذَّرَت بِفِعلِ أنجَلَةِ مَوارِنَةٍ، نُسَّاكٍ-شُهَداءٍ-مُرسَلينَ مِن لبنانَ. زادُهُمُ الفشيطو، تَرجَمَتُهُمُ السُريانِيَّةُ-البَسيطَةُ لِلمَزاميرَ وَلِلعَهدِ الجَديدِ... المَنقولَةُ لِلُغَةِ المَغولِ.

اللزوم الكينوني

لِلبنانَ أن يَستَحِرَّ بأُمَّوِيَّتِهِ. هيَ آدَمِيَّتُهُ، والمَسيحُ آدَمُهُ الجَديدُ: جَسَدٌ مُتَجَذِّرٌ بأرضٍ، وَروحٌ مُتَعَملِقٌ لِما وَرائِها. في هَذِهِ الثُنائِيَّةِ بَقاءٌ يَتَجاوَزُ الكَمَّ. مِنَ المُطلَقِ الى النِسبيِّ لا العَكسَ.

هو وجوبُ ذَودٍ عَن واجِبٍ. مِن أرضٍ تُؤَهِّلُ رَوحَنَةَ الأزمِنَةِ لِيَغدوَ التاريخُ المُنبَسِطُ مِمَّا قَبلَ المَواضيَ الى ما بَعدَ الأَواتِيَ، لُزوماً كَينونِيَّاً يَتَرَعرَعُ في التَحَرُّرِ إذ يُعانِقُ أفاعيلَ الأُلوهَةِ. وَسطَ مَجاهِلَ الخَليقَةِ وَعَداواتِ البَشَرِ.

البابا فرَنسيسُ، الآتيُ "مِن أقاصيَ الأرضِ"، في زيارَتِهِ لِمَقلِبِها الآخَرِ، عَلَّمَنا لبنانَ جِهارِيَّةً.

يا لِهَولِ جَهلِنا!.