لا تزال سياسة المد والجزر الدائرة منذ اشهر بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، تفرض نفسها على الواقع الرئاسي في لبنان، وذلك على الرغم من تعدد المرشحين الذين برزت اسماؤهم على الساحة (بطريقة جدية ام غير جدية)، وتعدد الوسائط الاقليمية والدولية، ودفاتر الشروط الموضوعة محلياً. وقد اثبتت الايام ان كل ما حصل لم يزحزح حظوظ اي منهما في الرئاسة، وان الاسمين الجديين المطروحين هما فرنجية وعون دون سواهما، غير ان التوافق على احدهما دونه عقبات خارجية من باب القلق على مصالح اللاعبين المحليين الذين يتماشون مع اللاعبين الدوليين.

اليوم، وبعد ان كان اسمه تراجع بفعل التطورات التي كانت سائدة، عاد اسم عون وبقوة الى الساحة، حتى ان الكلام بات عن ان المسافة التي تفصله عن قصر بعبدا باتت تقاس بالامتار وليس بالكيلومترات، فما الذي عزّز هذا الحديث؟ تجيب شخصية سياسية متابعة ان الوضع اللبناني لا يحمل اسراراً وليس بالامر الغامض الذي يصعب توقعه، وذلك يعود الى ان لبنان ساحة يتداخل فيها اللاعبون الاقليميون والدوليون، وبالتالي يكفي قراءة الحركة الخارجية لمعرفة ما سيؤول اليه الوضع داخلياً. اضافة الى ذلك، تضيف الشخصيّة، فإن التجارب السابقة على مرّ السنوات العديدة، اظهرت انه عند احتدام الخلاف بين اللبنانيين وانسداد الافق، فإنّ الحل هو التوجه الى الجيش اللبناني لانقاذ الوضع، ناهيك عن ان تاريخ لبنان حافل بحل الامور المستعصية بعد تصعيد امني ما لا يرقى الى المواجهات الشاملة والمفتوحة، بل يكون مضبوطاً ومحدوداً من اجل هدف محدد.

من هنا، ترى الشخصية، ان ما عزز الكلام عن ارتفاع حظوظ العماد جوزاف عون وتقدمه في المسار الرئاسي، هو التعقيد السياسي والدبلوماسي على خط فرنجيّة، والاكثر اهمية هو التصعيد الامني الخطير في مخيم عين الحلوة الجنوبي، والذي احدث خضّة كبيرة في كل لبنان بفعل القلق السائد من تداعياته وارتباط لاعبين محليين فيه. ومن الممكن، ان يصبح الكلام: طريق بعبدا تمر في عين الحلوة، بمعنى انّ التصعيد الحاصل قد يكون الدافع الابرز لـ"فرض" عون بموافقة اقليمية ودولية، و"تضحية" محلية لضمان اعادة الاستقرار الى لبنان وقطع الطريق على محاولات تجديد التوتر الامني او نقله من مخيّم عين الحلوة الى مخيّمات اخرى او افتعال احداث في مناطق لبنانية، ستنتهي بطبيعة الحال وفق السيناريو الموضوع لها اي بفرض الحل الوحيد المفروض.

من هنا، يمكن الربط بين هذه الاحداث التي تحصل والحياة التي عادت الى الحركة القطرية التي كانت مجمدة لبعض الوقت، ما يؤشر الى قبول سعودي ودولي بالمساعي القطرية التي، كما بات معلوماً، تميل الى الدفع بقائد الجيش لتعبئة الفراغ الرئاسي، مع حديث يتردد في الصالونات السياسية عن استعداد قطري لتمويل هذه المساعي في ظلّ التراجع السعودي المالي الذي كان غالباً الحلّ لتمويل الحلول في لبنان.

ولكن، هل تكفي هذه المساعي والمعطيات لانهاء الوضع الشاذ الذي يعيشه لبنان؟ من المبكر الجواب على هذا السؤال، في انتظار بلورة الصورة بشكل تام في ما خص الحراك الدولي القادر وحده على البت بالموضوع، كونه المنبع الرئيسي للحلول اللبنانية، فيما لا تشكل طلبات اللاعبين المحليين اي مشكلة رئيسية، ودائماً ما يعود الزعماء ورؤساء التيارات الحزبية والسياسية الى التأقلم مع المعطيات والاحداث المتسارعة ويلحقون بالقطار كي لا يفوتهم، ويعملون طوال ستّ سنوات جديدة على ترسيخ انفسهم وتعزيز فرصهم لتحسين نفوذهم وقدرتهم على اثبات انفسهم امام المسؤولين الدوليين.