تزداد في فصل الصيف الاحتفالات ذات الطابع الإجتماعي، هذا لا يعني خلو الشتاء من المناسبات، إنّما في الصيف تكثر هذه المناسبات لأسباب متعددة، وفي طليعتها مجيء المغتربين، وعطلة المدارس والجامعات، وحال الطقس المساعد على ارتياد البحر والجبل على السواء، كما أنّ ساعات السهر تطول، والأفراح في دياركم عامرة.

المناسبات الإجتماعيّة، سواء المفرحة أم المحزنة، هي فرصة لتلتقي العائلات مع بعضها البعض، بعد أن تكون الغربة قد بعّدتهم والمسافات حجبت رؤيتهم. فأيّة مناسبة هي فرصة للتلاقي، خوفًا من أن يصبح "البعد جفاءً".

فإذا حدث جفاء، قد يؤدي الأمر إلى تبادل العتب. والعتب قد يكون بمحبّة ولياقة، وقد يكون بعدائيّة. وقد يكشف أيضًا حقيقة ومشاعر الناس الحقيقيّة لا الزائفة، عندها قد تعتب بمحبّة دون غيظ أو حقد، ويزيد العتب إذا كان هناك تفّضيل لناس أو لأقارب على آخرين لحجج غير منطقيّة، وعلى الرغم من ذلك، يمكنك التحفّظ والعتب بمودة.

كانت والدتي، رحمها الله، تبرر تقّصير الناس عن الواجبات واللياقات، وكنت أعاتبها على ذلك، وقد فهمت تصرفاتها، مع مسيرة النضوج التي يكفلها الوقت والأيام، حيث كانت تردّد وتقول لي، ولسائر أفراد العائلة والأقارب، إنّ العتب والمعاتبة من شأنهما خلق شرخ بين الأهل والأقارب والأصدقاء، خصوصًا اذا جاء العتب عن حقد وكراهية. وأذكر أن ظروف انشغالاتي الرعائيّة، كانت تلزمني أحيانًا كثيرة عن عدم القيام بزيارتي لها، بشكل دائم، ولا سيّما في فترات مرضها، فتبادر إلى الاتّصال بي للإطمئنان عنّي، دون أن تتفوه بكلمة عتب واحدة، وتقول حرفيًّا "حابي إسمع صوتك يا تقبرني، وإطّمن عنّك وبعرف ظروفك، والله يحميك ويرد عنّك".

هذا التصرّف كانت تترجمه مع سائر أفراد العائلة والمعارف، وتبادر إلى الاتّصال والاطمئنان عن الجميع، دون تسجيل عتب أو معاتبة، وهذا الذي جعل لتاريخ اليوم ذكراها الطيّبة على لسان المحبّين.

العتب بمحبة صادقة لا مصطنعة، اذا حصل نتيجة بُعد أو تباعد، أمرٌ مبارك من أجل البنيان، كي لا تحمل في داخلك كرهًا أو حقدًا تجاه الآخرين. كما من شأن المعاتبة الأخويّة والمباشرة أن تقطع الطريق على المزايدات العائليّة والتدخلات الخارجيّة، خصوصًا إذا كنت من "أصحاب الفضل" على الناس، الذين يتذكّرونك في العُسر وينسونك في اليُسر. ولكن في الخلاصة "العتاب خيرٌ من الحقد"، وقد ورد في إنجيل لوقا: "احْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ" (إنجيل لوقا 17: 3). وهذا نقوله من أجل حفظ العائلات بسلام.