كما كان مخططاً له، نجح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تحويل نفسه الى "بيضة القبان" في الانتخابات الرئاسية، وفرض نفسه بالقوّة كجزء اساسي من ايّ معادلة تهدف الى وصول رئيس فعلي ليحل محل رئيس الفراغ المسيطر على قصر بعبدا منذ نهاية ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون.

عرف باسيل ان حظوظه في الرئاسة تكاد توازي حظوظ ان تثلج في موسم الصيف، فغيّر استراتيجيته لجعلها تتلاءم مع اهدافه التي وضعها وفي مقدمها اعتماده ممراً اساسياً لا غنى عنه لايصال الرئيس المقبل للجمهورية، وخطّط ونفذ باتقان مسار هذا الهدف، فعزز موقعه في التيار الوطني الحر ولم يكتفِ بالعودة الى منصب الرئيس من دون اي منافسة، بل تمكن من احداث التغييرات التي يريد في التيار وتحصين الادارة من اي "مكامن" ومفاجآت غير متوقعة بالنسبة اليه ولا يرغب فيها.

اليوم، وفي ظلّ المعطيات الحالية، وجد باسيل نفسه امام واقع جديد بعد ان وصلت رسالته المدوية عبر دعمه للوزير السابق جهاد ازعور لينافس رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة في السباق الرئاسي، اذ كثر الكلام عن تقدم حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون، وليس خفياً ان العلاقة بين الرجلين هي كعلاقة الماء والزيت، ايّ انها غير قابلة للاختلاط، ولا مصلحة لرئيس التيار في ان يكون مهمّشاً على مدى ست سنوات في حال وصول قائد الجيش الى الرئاسة.

ومع دخول القطريين على الخط، بدت الاستراتيجية الجديدة لباسيل وكأنّها تحاكي هذا السيناريو، خصوصاً وان الدوحة تقف خلف ان يكون عون خلفاً لميشال عون. التغيير كان جلياً في الخطاب الذي القاه النائب البتروني لمناسبة ولايته الجديدة في رئاسة التيار، فبعد ان كان من غير الممكن تصوّر مجرد الحديث عن وصول العماد جوزاف عون الى الرئاسة، اصبح الحديث عن الحصول على مطالب ومكاسب في حال اراد الخارج فرض هذا السيناريو، ولو انّ هذه المطالب تحاكي المستحيل (عودة النازحين السوريين الى بلادهم ورفع العقوبات والحصار المفروض على لبنان...)، ولكن العبرة هي في اختلاف نمط المقاربات الذي بات يعتمده التيار الوطني الحر في هذا الملف.

ويرى البعض ان باسيل بات في انتظار من يلبّي شروطه اولاً: حزب الله (الذي يفاوض ايضاً عن رئيس مجلس النواب نبيه بري)، او قطر التي يرتبط معها بعلاقة متينة ويثق بكلامها، ليكون في الحالتين هو الرابح. ويشدّد عدد من المراقبين للاحداث على الساحة اللبنانيّة والملفّ الرئاسي بشكل خاص، على انّه في الحالتين، سيجد باسيل نفسه رابحاً، لانّه في السيناريو الاسوأ بالنسبة اليه (اي وصول العماد عون الى بعبدا)، يكون قد حصل على ضمانات قطريّة معيّنة ترافقه طوال الولاية الرئاسيّة الجديدة، اما في السيناريو الاخفّ وطأة بالنسبة اليه ايّ وصول فرنجية، فالحزب سيكون الضامن لما سيحصل في السنوات الست التالية، وبالتالي سيكون باسيل في قلب الاحداث وليس على هامشها، ولن يصارع على غرار القوى المسيحيّة الاخرى (وتيار المستقبل من الطائفة السنيّة) كي يكون على طاولة الاحداث وتحسين قوة نفوذه. وما الحديث عن القوى المسيحية الاخرى، لا للتأكيد على انه بالنسبة للقطريين، كما للثنائي الشيعي، فإن التعامل مع باسيل يبقى اسهل من التعامل مع القوى المسيحية الشعبيّة الباقية، كما يمكن تأمين عدد من الاصوات السنية المتفرقة من النواب، في ظلّ جمع السعوديّة الكتلة السنّية الاكبر الى جانبها وفق ما اظهره السفير السعودي في لبنان وليد بخاري منذ ايام حين عقد اللقاء الشهير بين النواب السنة وموفد الرئيس الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان.

من سيصل اولاً الى باسيل؟ هذا هو السؤال الذي سيسرّع من دون شك في اظهار الصورة الرئاسية الضبابية، من دون ان يعني هذا ان الاستحقاق الرئاسي تحوّل الى لبناني، انما لا يزال بحاجة الى اخراج فنّي قادر على استكماله بعد القرار الخارجي بالاتفاق على هويّة الساكن الجديد للقصر الرئاسي.