سجّلت حكومة تصريف الأعمال خطوة مهمّة في إعدادها الموازنة المالية، وقدّمت ما عجزت عنه حكومات اصيلة بإنهاء مشاريع الموازنة في مواعيدها الدستورية، منذ عام 2002، فنجحت الحكومة في محاولتها ضبط انتظام الدولة الذي تكرّسه الموازنة المالية، بعيداً من الصرف وفق قاعدة الاثني عشرية.

لكن، هل تشق الموازنة طريقها وتحال الى التنفيذ؟.

تتحدث المعلومات عن مطبّات جوهرية اساسها موقف القوى السياسية المسيحيّة، وتحديداً التيار الوطني الحر الذي لا يعتبر المراسيم الصادرة حالياً عن مجلس الوزراء دستوريّة، ولهذه الغاية تمّ طرح توقيع ٢٤ وزيراً على مشروع الموازنة، على قاعدة ان "جميع الوزراء معنيون بالموازنة الماليّة". لكن هل يقبل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بالطرح؟ لا يبدو انه في وارد الطعن بقرارات حكومته، ولا القبول بطرح برتقالي يشكّك في دستورية جلسات مجلس الوزراء.

من هنا فإن "الوطني الحر" سيكون محرجاً في المجلس النيابي: يسلك مشروع الموازنة طريقه في لجنة المال والموازنة، ثم اللجان المشتركة، لكنه سيواجه امام الهيئة العامة في الجلسة التشريعيّة اعتراض "الوطني الحر" الذي يتجه عندها لمقاطعة الجلسة التشريعية.

وبحسب المعلومات، هناك من تداول بمخرج يقوم على اساس تقديم الموازنة كإقتراح قانون عبر نواب في المجلس. لكن الطرح غير قابل للحياة بالتعامل مع الموازنة الماليّة تحديداً. لذلك يمكن تفسير كلام ميقاتي الذي قاله لصحيفة "الشرق الاوسط" السعودية من نيويورك، بأنه يحمّل القوى السياسية المسيحيّة مسؤولية التأخير في اقرار الاصلاحات. مما يعني ان رئيس حكومة تصريف الاعمال ليس في وارد التراجع عن انجاز حكومته في اقرار الموازنة المالية.

لا يبدو ان السجال سينتهي هنا، ويكفي ان يقول ميقاتي انه قرر الاعتكاف في طرابلس "بين اهله وعشيرته"، اعتراضاً على تعطيل الموازنة والاصلاحات، ليضع القوى السياسية امام مسؤولياتها.

سيجد رئيس حكومة تصريف الأعمال نفسه مضطراً الى الجلوس في منزله الشمالي، غير ان العواصم المعنية بلبنان ستسارع الى التمني عليه بالعودة الى السراي الحكومي في بيروت منعاً لفراغ في السلطة التنفيذية. وسيكون امام واقع صعب، اساسه ان البلد لا يمكن تركه من دون حكومة تصرّف الاعمال.

لا يحتمل لبنان مزيداً من الشغور، ولا الإعتكاف، ولا التفرج على الانهيارات القائمة. علماً ان موقف ميقاتي سيكون قوياً استناداً الى خطوة اساسية: مطالبته المجلس النيابي بإقرار الاصلاحات، وضمناً الموازنة المالية التي اقرتها حكومته.

سيقع المعترضون على جلسات المجلس النيابي في حرجٍ كبير داخلي ودولي، انطلاقاً من الحاجة اللبنانية للاصلاحات التي تشكّل طريقاً نحو حل الازمات الاقتصادية والمالية اللبنانية، وهي باتت مطلباً عالمياً.

واذا كان الرهان الداخلي على قرارات اللجنة الخماسية الدولية، فإن سقوطه حصل نتيجة تباين وجهات النظر بشأن الحل اللبناني، مما يحتّم على القوى السياسية التوجه سريعاً نحو ابتكار حلول محلية بشأن انتخاب رئيس الجمهورية، واقرار الاصلاحات، لأنّ معادلة التعطيل السائدة ستأخذ لبنان كله نحو الهاوية، ولن تنفع معها اجراءات موضعية لتجنيب البلد الوقوع في الهاوية. فهل تُعقد طاولة الحوار مطلع تشرين الاول، وتشكّل باباً للحلول؟.