لا يختلف اثنان على ان رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ تعرض لنكسة على دفعتين في ما خصّ الحوار الذي روّج له على مرحلتين، سابقة مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، ولاحقة منذ فترة قصيرة وعرضها على انها الفرصة الاخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية. ولكن في الحالتين، كانت النتيجة نفسها، فتعرض لنكسة مزدوجة، واعترف بأن مبادرته لم تعد قائمة بسبب طرفين أساسيين هما "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​"، بعد ان جمعهما الخلاف السياسي العميق وتقاطعا على رفض المبادرة "البرّية". من هنا، بدا وكأنّ الموفد الرئاسي الفرنسي ​جان ايف لودريان​ حاول إيجاد المخرج المناسب لرئيس مجلس النواب، بعد ان سانده وايّده بالدعوة الى الحوار، من دون ان يلاقي النتيجة المتوخاة، فأعلن صراحة وجوب التوجّه نحو خيار ثالث اثر انسداد الأفق للمرشحين المعلنين اللذين تنافسا تحت قبّة البرلمان عنينا بهما: رئيس تيار المردة ​سليمان فرنجية​ والوزير السابق ​جهاد ازعور​.

كلام لودريان يضع بري في موقف اكثر راحة تجاه فرنجيّة، لانّ فرنسا، وهي دولة عظمى، والتي كانت داعمة لخيار الثنائي الشيعي وجدت نفسها مضطرّة للتخلّي عن هذا الخيار، رغم كل "الاغراءات" التي قدمتها و"التسويات" التي أبدت استعدادها للدخول فيها، فما بال بري الذي لا يملك المقومات الفرنسيّة، والّذي بات بامكانه ان يقول صراحة للمرشّح الذي دعمه بقوة: فعلت كل ما باستطاعتي، ولكن المواجهة كانت محلّية وإقليميّة ودوليّة ولم اقوَ عليها. من المنطقي ان يتفهّم فرنجيّة الموقف، ولكن ما يجب معرفته هو كيفيّة تصرف برّي بعدها، لانّه معروف عنه الرغبة الدائمة في ردّ الكيل، وعدم السكوت وهو يتحيّن الفرصة المناسبة للتحرّك بحريّة. من هنا، يرى البعض ان رئيس المجلس سينتظر الفرج الذي يتم الحديث عنّه بقوة في الآونة الأخيرة، فيما يرى آخرون انه لن يتأخّر في ردّ الضربة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من خلال السير بقائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ للرئاسة، لعلمه بأنّ هذا الخيار من شأنه ان يغيظ باسيل ويضعه في حال من القلق على مدى ست سنوات كاملة، وعدم السير مطلقاً بأيّ مرشح يحظى بدعم باسيل، اياً كان اسمه.

في المقابل، يتم التعويل على الدور القطري في إزالة العقبات القائمة، خصوصاً وان مسألة تقاسم النفوذ حاضرة بقوّة ولها الكلمة الفصل في تحديد وجهة الاستحقاق الرئاسي، ولا يستغرب البعض ايضاً ان يؤخّر بري ردّ فعله الى ما بعد الانتخابات الرئاسيّة (اذا ما سار قطار هذا الاستحقاق بفعل الدعم الدولي والإقليمي له)، وكي لا يبدو وكأنّه العائق الوحيد امام استعادة قطار الحياة السياسيّة اللبنانيّة نشاطه، ليتفرّغ بعدها للردّ على باسيل ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بما يتيسّر له من ادوات تشريعيّة وسيّاسية قادرة على تسجيله الأهداف في مرميهما.

يراهن الجميع على ان ورقة فرنجية سقطت، وانّ التوجه الأكبر بات في اتجاه قائد الجيش، ولكن الصورة لم تتّضح بعد بشكل كلّي، وما يمكن حدوثه اليوم قد لا يحصل في الغد، وعليه، الامر المؤكد انّ الخلاف بين برّي وباسيل وجعجع هو الثابت في المرحلة المقبلة، فيما سيجهد القطري موقتًا لشراء فترة محدودة لـ"وقف اطلاق النار"، والعدول عن سياسة الترهيب التي مارستها فرنسا وبعض الدول الخارجيّة والتي لم تكن جدّية ولم يتوقع احد نجاحها، بسياسة الترغيب التي تتقنها قطر وهي قادرة على تطبيقها بنجاح بما تملكه من امكانات ماليّة كبيرة، وعلاقات نسجتها مع لاعبين أساسيين على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية في الوقت نفسه. ومن الممكن ان تستعاد عبارة "شكراً قطر" مرة أخرى في لبنان.