قبل أقل من شهر من اليوم، تطرقت "النشرة" في تقرير خاص تحت عنوان: "الحوار​ حول دور ​لبنان​ المستقبلي أهم من الحوار على إسم الرئيس"، إلى أهمية فتح باب النقاش حول هذه المسألة في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، الأمر الذي على ما يبدو لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث، نظراً إلى أن هذه التحولات مستمرة، على وقع العجز اللبناني، الذي قد يكون له تداعيات خطيرة في المستقبل.

في هذا السياق، بات من المسلّم به أن حسم ​الإستحقاق الرئاسي​ يحتاج إلى قرار دولي، على إعتبار أنّ القوى المحلّية عاجزة عن التوافق على الذهاب إلى مجرد حوار، قبل البحث في إمكانيّة توافقها على مرشح معين، في ظل الشروط والشروط المضادة التي ترفع من قبل كل فريق، لكن الجهات الخارجيّة المؤثرة في الساحة اللبنانية لها مصالحها وليست عبارة عن جمعيات خيريّة فقط، ودور لبنان المستقبلي أو موقعه قد يكون جزءاً من العقبات التي تحول دون الوصول إلى نتائج إيجابية على ما يبدو.

في هذا الإطار، وبعد الحديث في التقرير المذكور أعلاه عن المقومات التاريخية التي فقدها لبنان على مستوى الدور، تلفت مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى ضرورة التنبه إلى أنه من الناحية العملية فالمنطقة تتجه إلى إنقسام جديد، بالرغم من التهدئة المرحلية التي تشهدها في الوقت الراهن، بين محورين إقليميين ودوليين: يضم ​أميركا​ و​إسرائيل​ و​السعودية​ والدول الأوروبيّة، أما الثاني فيبدو أن ​الصين​ ستكون هي المقرّر الأساسي فيه.

بالنسبة إلى المحور الأول، تشير المصادر نفسها إلى أنّ بداية الظهور المستجدّ له كانت من خلال الإعلان عن مشروع الممرّ الذي يمتد من الهند نحو ​أوروبا​، بغضّ النظر عمّا إذا كان سيبصر النور في المستقبل أو سيواجه الكثير من المطبّات، أما الركن الأهم فيه فهو التطبيع بين السعودية وإسرائيل، الذي على ما يبدو قطع شوطاً طويلاً، أما بالنسبة إلى المحور الثاني فعنوانه الدخول الصيني القويّ على خط أزمات الشرق الأوسط، الذي كان بداية من خلال رعاية الحوار السعودي الإيراني، ثم زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى بكين، التي تضمنت توقيع إتفاقيات إستراتيجيّة، مع العلم أنّ الصين هي صاحبة مشروع طريق الحرير.

هنا، ترى هذه المصادر أن من المفيد العودة إلى تكرار طرح السؤال حول دور لبنان أو موقعه في ظلّ هذين المشروعين! لا سيما أن الإنقسامات المحلية التقليديّة قد تقوده إلى موقع "المتفرج"، العاجز عن أخذ القرار المناسب الذي يتطابق مع مصالحه، مع العلم أنه في المحور الأول يواجه معضلة التطبيع مع إسرائيل، إلى جانب منافستها له على البوابة البحريّة نحو أوروبا، أما في الثاني فهو يحتاج إلى قرار كبير بالتوجّه شرقاً، الأمر الذي ترفضه مجموعة من القوى السياسية.

في المحصّلة، ما تقدم يدفع المصادر المتابعة إلى إعادة التشديد مرة أخرى على أنّ المعضلة الكبرى تكمن بأن لبنان بحاجة إلى أخذ قرارات من هذا الحجم، في حين هو عاجز عن التصدّي لأبسط الملفات المحلّية، أما القوى السياسية فهي لا تملك القدرة، منذ العام 2019، على إنتاج تسوية، ولا تستطيع، بالرغم من مرور ما يقارب العام على الشغور الرئاسي، إنتخاب رئيس جديد، ما يرجح أن تسقط البلاد في مربّع خلافاتها، التي سيدفع ثمنها لبنان واللبنانيون.