لم تشأ بلدة عاليه، ببلديتها وجمعية تجارها، أن توقف أو حتى تُرجئ، خُطوة مميزة كانت بدأتها في العام الماضي، وهي تندرج في إطار السياحة المُستدامة في كُل الفُصول.

وتأكيدا على حرصها الاستمرار، لا بل تعزيز المُبادرة الحيوية، فقد كان القرار الجريء، بتكرار المُبادرة التي جذبت إلى البلدة في الموسم الفائت مئة ألف زائر، فيما الآمال معقودة هذه السنة على استقبال ثلاثمئة ألف.

وما القرار الجريء هذا، سوى فعل إيمان بأن الحياة ستستمر، على رغم كل الأجواء المحمومة إقليميا ودوليا، وقد بات اللبناني يعشق التحديات، ويخوض غمارها حُبًّا للحياة.

إشكالية الكلاب المسعورة

غير أن الأجواء القروية الإيجابية في عاليه، أعادت إلى الواجهة إشكالية الكلاب المسعورة في محيط الـ "سيمبوزيوم"، والتي لطالما كانت تهدد المارة بسلامتهم الشخصية، فهل حان الوقت لتقول البلدية كلمتها وتضبط الأمور على قاعدة الرفق بالحيوان، وتوازيا صون سلامة الإنسان؟!.

طرابلس

وهذه الإشكالية سُجلت في الفترة الأخيرة في عدد من المناطق اللبنانية، وبينها طرابلس، ما اضطُر محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا، إلى الطلب إلى بلديتي طرابلس والميناء، "معالجة موضوع الكلاب الشاردة"، بعدما "تكررت حوادث تسييبها ومهاجمتها المارة والأطفال في الشوارع".

وأشار المُحافظ في كتابه إلى أن هذه الكلاب "تؤدي (أيضا) إلى انتشار الأوبئة ووقوع حوادث سير، ما يهدد أمن السكان ويعيق سلامة المرور". وطالب بـ "تكليف مَن يلزم معالجة موضوع الكلاب الشاردة والمنتشرة بالقُرب من مستودعات النفايات وفي الساحات وداخل الأحياء السكنية، وصولا إلى الأسواق والطرق العامة، ونقلها إلى مكان مخصص لها بالتنسيق والتعاون مع مصلحة الزراعة والجمعيات التي تُعنى بالحيوانات، ونقابة الأطباء البيطريين، لإجراء المقتضى منعا من تكاثرها".

وأنذر نهرا "المُواطنين الذين يرغبون في اقتناء الحيوانات أو تربيتها، بموجب تأمين المأوى اللازم لها، وعدم تسييبها في الشوارع، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لرفع ضررها عن الآخرين، ومنعها من مهاجمة الناس أو التسبب بالأذى لهم، "تحت طائلة مصادرتها من قبلكم وإحالة المخلين إلى القضاء المختص بجرم التسبب بالأذى أو القتل".

البترون

وقبل طرابلس، كانت المشكلة في البترون، خلال تغني البلدة بافتتاح "معهد علوم البحار والتكنولوجيا"، وإطلاق "متحف تحت الماء".

الأمران رائعان... ولكن ثمة تجول للكلاب الشاردة، بين رواد المنطقة وقبالة المطاعم بلا حسيب ولا رقيب... وثمة شكاوى بالجملة وصلت إلى البلدية، من مواطنين تعرّضوا لمضايقة تلك الكلاب بلا طائل.

عاليه

وصولا إلى عاليه، أحدث ملامح الخطورة في هذا المجال...

في هذا السياق سألتُ رئيس البلدية، الأستاذ وجدي مراد، عن كلاب شاردة في محيط الـ "سيمبوزيوم"، ومَن تسبب بقتلها؟...

أجاب جازما: "جهات عدة، قد سممت لها"... واستطرد: "هي كلاب شاردة، جمعتها سيدات مناصرات للرفق بالحيوان. ولكنها لم تهتم بالكلاب، بل نادرا ما كانت تؤمن لها طعاما من اللحوم، ما جعل الكلاب تسعى حين تجوع، إلى تأمين طعامها على طريقتها، ناهشة لحم المارة في الشارع... ومن ثم اقترحت الناشطات تصحيح الجريمة البيئية، بقرار تعسفي آخر، يقضي بمنع المارة من العبور واعتبار المنطقة محمية طبيعية للكلاب الشاردة"...

وأوضح مراد: "لكن هذا لن يستمر، وستصحح البلدية الأمر. وحبذا لو كانت الجهات الداعمة لجمعيات الرفق بالحيوان تدري بنتيجة ما توفره للجمعيات من دعم، يُستغَل بقرارات تتسبب بمخاطر جسيمة على الإنسان كما وعلى الكلاب".

50 ألف كلب

وأشار بعض المعلومات إلى أن عدد الكلاب الشاردة في لبنان، قد تخطى الـ 50 ألفا (أيار 2023). وهي كلاب شاردة تتفاقم ظاهرتها يوما بعد يوم. أصحابها يتخلّون عنها من دون خصيها. ومع أن الظاهرة ليست بالجديدة، غير أن ضيق الحال ضاعف واقعها!. وأما الوزارات والجهات المعنية، فعاجزة الآن أكثر عن أي معالجة رسمية!.

تفنن في الإجرام

وحيال هذا الوضع المخيف، قد يُلجأ إلى القضاء على الكلاب المسعورة من خلال استخدام مادة "اللانيت" المحظورة، فيشتدّ السيناريو قساوة. وكأن الرمي بالرصاص، أو السحل بالسيارات حتى الموت لا يكفيان، فيُعمَد إلى التفنّن في الإجرام!.

مشكلة تخلف؟

ويرى البعض أن المشكلة أساسا، تكمن في تخلف المجتمع في التعاطي مع البيئة والحيوان... وعدم احترام قانون الرفق بالحيوان، وتحديدا المادة 12 منه التي تنص على الاهتمام بالحيوانات الشاردة، ووضْع خطة للتعامل معها، بناء على توجيهات وزارة الزراعة.

أسباب المشكلة

تتكاثر الكلاب الشاردة في استمرار، بسبب عدم خصيها، فتُهاجم المارّة بسبب الجوع أولا كما والتعنيف ثانيا. وما يريده الكلب، هو أن يأكل ويشرب ويشعر بالأمان. ولكن من يتحمّل المسؤولية إذا تعرّض كلب ما لأحد المارة؟...

خطة بديلة؟

الحلّ حكما، ليس في تسميم الكلاب وإطلاق النار عليها وسحلها، وإنما يتمثّل في تطبيق طريقة (Trap – Neuter – Release) – أو ما يُختصر بـ "TNR"، التي ترتكز على إحصاء عدد الكلاب في كل منطقة وخصيها وتلقيحها، ووضع حلقة في أذنها للإشارة إلى أنها أصبحت غير مؤذية صحيا، ولا تشكّل خطرا على المواطن. وأما اللقاحات، فيُمكن تأمينها، بتمويل من منظمة الأغذية والزراعة التلابعة للأمم المتحدة.

ولكن عملية الخصي، تتراوح تكلفتها بين 100 و200 دولار، في حين إن تأجير الأراضي لجمع الكلاب الشاردة لا يحصل إلّا بالـ "فريش" دولار، فضلاً عن أسعار الطعام الذي يعجز كثيرون عن تأمينه... ما يُعيق تاليا تنفيذ الخطة البديلة!. وقد بات من اللازم على كل من لم يَعُد قادرا على تحمّل مصاريف العناية بالحيوان، أن يتوجّه إلى الجمعيات لعلها تساعد في تأمين الطعام للكلاب أو إيجاد حلّ مناسب لها، بدلا من رميها في الشارع.

حذار "اللانيت"

يُعتبَر استخدام مادة "اللانيت" للقضاء على الكلاب، الوسيلة الأسهل والأسرع والأقل تكلفة. ولكن ثمة مقاطع "فيديو"، تُظهر كم يتعرض الكلب من العذاب، قبل أن يلفظ أنفاسه. فـ"اللانيت" من أكثر الوسائل المؤلمة، بحيث ينتج عن تَناوله تَغيُّر فجائي في حرارة الجسم، ونزيف حاد حيث تذوب أمعاء الكلب شيئا فشيئا، إلى أن يبصق الدم من فمه.

الحُلول

من الحُلول المُقترحَة لمُعضلة الكلاب الشاردة، وضع أكثر الحالات صعوبة في الملجإ...

وأما تشريعيا، فينبغي العمل بموجب قانون "حماية الحيوانات والرفق بها"، الذي وقّع في 29 آب 2017...