بات من الواضح أن العنوان الأساسي لكل الحراك السياسي الداخلي هو تفادي الشغور في ​قيادة الجيش اللبناني​، مع إقتراب موعد نهاية ولاية قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ في بداية العام المقبل، الأمر الذي لا ينطلق من "حرص" الأفرقاء الداخليين على تفادي هذا السيناريو الخطير في ظل الأوضاع الملتهبة على مستوى المنطقة وحسب، بل أيضاً من ضغط دولي واضح، لا يزال يصبّ في إطار التمديد لعون على رأس المؤسسة العسكرية.

على الرغم من ذلك، يبدو أن الأفرقاء السياسيين يتعاملون مع هذا الإستحقاق من منطلق الربح والخسارة في سياق السباق القائم على مستوى الإنتخابات الرئاسية، حيث هناك من يعتبر أن "التخلص" من قائد الجيش، من الممكن أن يقود إلى إضعاف حظوظه الرئاسية، بالرغم من أن العديد من الجهات الخارجية، التي تشجع على إنتخابه رئيساً، كانت قد نفت ذلك.

على هذا الصعيد، تؤكد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أن بقاء عون في موقعه لا يزال هو الخيار الأكثر ترجيحاً، بالرغم من الصعوبات التي لا تزال تواجه المخارج المتاحة، نظراً إلى سعي كل فريق إلى الإستثمار في ذلك، مشيرة إلى أن إقتراح القانون المقدم من كتلة "الجمهورية القوية"، أول من أمس، يصب في هذا الإطار، لا سيما أنها من الكتل التي ترفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي.

بناء على ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن أوساط رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ سارعت إلى توجيه رسالة إلى حزب "القوات اللبنانية"، بأنها ليست هي من تحدّد جدول أعمال الجلسات التشريعية، بسبب ربطها الإقتراح بأن يكون بنداً وحيداً في الجلسة، وهو ما لا يمكن أن يوافق عليه بري الذي يسعى، منذ اليوم الأول، إلى الحفاظ على دوره في هذا المجال، لكنها في المقابل ترى أن "القوات"، من خلال هذه الخطوة، أرادت أن توجه رسالة إلى رئيس "​التيار الوطني الحر​" جبران باسيل، الذي يرفض التمديد لقائد الجيش الحالي.

ضمن المعادلة نفسها، يمكن وضع موقف رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي يتماهى مع باسيل في موقفه، في حين كان الرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​ قد كشف أن "​حزب الله​" هو في التوجه نفسه، إنطلاقاً من رغبته بعدم "حشر" رئيس "التيار الوطني الحر"، ما فتح الباب أمام خيار الذهاب إلى تعيين رئيس للأركان، يتولى قيادة المؤسسة العسكرية بعد إنتهاء ولاية عون.

في هذا السياق، تشير المصادر المتابعة إلى أن هذا المخرج هو أيضاً عرضة للمساومة من قبل الأفرقاء السياسيين، حيث أن رئيس حكومة تصريف الأعمال ​نجيب ميقاتي​ يريد أن يتم ذلك وفق الآلية المعتمدة في عمل الحكومة، منذ تاريخ إنتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، المرفوضة من جانب "التيار الوطني الحر"، الذي يفضل صدور القرارات والمراسيم بإجماع وتوقيع كافة الوزراء، وتلفت إلى أن هذا الواقع يضع المعالجة في إطار "الكباش" بين وجهتي النظر.

ما تقدم، يدفع المصادر نفسها إلى الحديث عن قرار المعالجة، بغض النظر عن شكله، بات يتطلب الذهاب إلى مساومة، يريد كل فريق أن تكون بالشكل الذي يخدم مصالحه، سواء كان ذلك على مستوى السباق الرئاسي أو على مستوى آليات العمل الحكومي، بينما المطلوب هو تفادي الخطر الذي قد يؤدي إلى شل المؤسسة العسكرية، وهو ما يتطلب أن تظهر هذه القوى أعلى مستوى من الوطنية.

في المحصّلة، تكشف هذه المصادر عن مخرج يتم التداول به، منذ أيام، في بعض الأوساط السياسية، يقوم على أساس قدرة مجلس الوزراء على تأجيل تسريح قائد الجيش، بغضّ النظر عن موقف وزير الدفاع الوطني موريس سليم، على قاعدة أن المجلس قادر على إلزامه بالقرار، الذي يحتاج إلى أغلبيّة بسيطة، لأنه هو الجهة المخوّلة بالتعيين، لكنها تطرح الكثير من الأسئلة حول إمكانية حصول ذلك من دون بروز خلافات، في حين أن المنطق يفترض أن يصدر أي قرار من هذا النوع بشبه إجماع وطني على الأقل.