لوحاتٌ غنًاء تعبّر عن الفرح، الحبّ، الانتفاضة، الطبيعة، الإنسان، الوضع في البلاد والمنطقة، حركة الكون، ومواضيع فلسفيّة هي الأعمال التي وزّعت في قاعات معرض الفنّ العربي 2023(ARAB ART FAIR) في فندق الكورال بيتش – بيروت. المعرض الذي يضمّ أكثر من 200 عمل فنّي معاصر أفتتح أمام الجمهور وشهد حضور العديد من محبي الفنون.

بالإضافة إلى الجمهور التقليدي من محبي الفنون، زار المعرض المئات من طلاب المدارس والجامعات، وذلك انطلاقًا من رغبة المنظمين في جعل الفنً قضيّة عامة، يزوره الآلاف من جميع الخلفيّات الثقافيّة، حيث شهد وفي يومه الأول زيارة مئات الطلاب الذين تعرّفوا على أهميّة الفن في حياة البشر، ثم انتقلوا بعدها لزيارة أجنحة المعرض لرؤية مختلف أنواع المدارس الفنيّة المتواجدة هناك.

كذلك وخلال اليوم الأول، انطلقت فعاليات الندوات المصاحبة للمعرض والتي شهدت جلسة محورها الفنّ والإعلام. أدار الندوة الزميل شادي معلوف – مدير البرامج في إذاعة صوت كل لبنان، والذي حاول فيها الخروج بإجابة عن سؤال: أين الإعلام العربي من الثقافة والفنّ؟ وكان ضيوف هذه الندوة وجوه خاضت في الثقافة والفنّ والكلمة ردحًا من عمر... فمنهم التشكيلي والناقد والكاتب والشاعر والإعلامي والأستاذ الجامعي، ولكلّ منهم باع في مجاله الفنّي وفي علاقته بالإعلام بأشكاله المتعددة من التقليدي حتى الحديث المعاصر. والتجربة هي المعيار الأول في جعل صاحب التجربة مؤهلا لإطلاق الآراء واستشراف الآفاق وتحديد توصيات أو مخرجات صالحة للبناء عليها في مسار نحو مستقبل أبهى وأفضل.

وتلت المقدّمة التي أضاء فيها أ. معلوف على واقع المرحلة، كلمة للإعلامي والشاعر زاهي وهبي والتي تطرّق فيها إلى: "لا نعتقد أن أمة تستطيع النهوض والتقدّم ما لم تحترم ثقافتها ومثقفيها، بل ما لم تحترم الثقافة الإنسانية كلها، خصوصًا وأننا بتنا نعيش عصرًا تتداخل فيه الثقافات وتتلاقح بشكل غير مسبوق. ولا غلوّ في القول ان أبرز أسباب الجحيم الذي وقعنا فيه هو عدم إيلائنا الثقافة بما تعنيه من علم وفكر وأدب وفنّ الأهميّة الواجبة والضروريّة. وإذا كان تقدّم الأمم لا يقاسُ فقط بتطورها الاقتصادي والتكنولوجي بل بمدى إنتاجها الإبداعي فكراً وعلماً وأدباً وفناً، فإن شاشاتها المرئية تعكس واقع حالها في هذا المجال، وفي كل مجال. لذا كلما تابعنا برنامجاً ترفيهياً من برامج "الترفيه" التلفزيونية الدارجة هذه الأيام خطر في بالنا سؤال لماذا لا تنفق الفضائيات والمنصات العربية على البرامج الثقافية غيضاً من فيض ما تنفقه على التسلية والترفيه التي تكلفها ملايين الدولارات؟ أو مما تنفقه على برامج التحريض السياسي والطائفي وتثوير العصبيات القاتلة التي ساهمت في تدمير بلادنا وتفكيك نسيجها الاجتماعي ولحمتها الوطنية."

وتابع: "ثمة مَن يعتبر أن تثقيف الناس ليس وظيفة التلفزيون الذي هو أداة تسلية وترفيه بالدرجة الأولى. هذا قول فيه جانب من الصحة لو كانت مجتمعاتنا مستقرة مزدهرة متجاوِزة لكثير من مشاكلها وأزماتها، لكن في بلاد تعاني من مشكلات حيوية مثل الفساد والأمية والبطالة والفقر والتطرف والارهاب تغدو وسائل الإعلام منابر ضرورية للمساهمة في التنوير المُلِحّ والمطلوب عِوَض أن تكون منابر للتحريض وبثّ سموم الفتن والتفرقة كما حصل ويحصل.

أليس غريباً ومريباً أن يكون عدد الفضائيات العربية أكثر من ألفي فضائية يضاف إليها عشرات المنصات الذكية الوليدة حديثاً فيما البرامج الثقافية تُعد على أصابع اليد الواحدة؟ لسنا من الذين يحبذون إلقاء كل مشاكلنا على نظرية المؤامرة، لكن يحق لنا الاستغراب حين يتلكأ أصحاب المال من مالكي الفضائيات وشركات الإنتاج والإعلان عن توظيف قرش واحد في البرامج الثقافية الجدية والعميقة التي تحترم عقل المشاهد العربي وتُخاطِب وعيه لا عصبياته. في أحسن الأحوال يمكننا القول إن هذا الخلل والتقصير ناجمان عن الجهل أو التجاهل لقيمة الثقافة ودورها في حياة الأمم، وفي الحالين الطامة كبرى."

"يذهب البعض إلى القول إن أصحاب الرساميل المالية يتجنبون الاستثمار في الثقافة لأنها غير جذّابة للمشاهدين والمعلنين على السواء. قد يكون في هذا القول بعض الصحة لو اعتبرنا أن البرنامج الثقافي لا يمكن أن يكون إلا وفق الصورة النمطية المرسومة في الأذهان: مذيع متجهم يتحدث بلغة قاموسية مقعَّرة وضيف يردد كلاماً نخبوياً غامضاً مبهماً. هذه صورة قديمة ومتخلفة للبرنامج الثقافي التلفزيوني الذي ينبغي تحديثه وتطويره ليواكب المستجدات في عالم الميديا الحديثة."

"البرامج الثقافية التي نفتقدها ليست فقط برامج الأدب والفنّ، بل أيضاً برامج تناقش أزماتنا ومشاكلنا بعيداً من الخطاب السياسي السطحي الممجوج والمشروخ، وبعيداً من صراع الديكة الذي يساهم في التجهيل لا في التنوير، برامج تطرح بحرية وصراحة وشفافية وعمق أسباب الفساد والأمية والجهل والبطالة والفقر والتطرف والارهاب، تناقش لماذا يتراجع منسوب القراءة عند العرب ويرتفع منسوب الاستهلاك؟ لماذا تغيب مراكز البحث العلمي التي لا يمكن التقدم قيد أنملة من دونها؟ لماذا تتخلف مناهج التعليم ولا تواكب المستجدات في العالم؟ لماذا لا يحظى المبدعون العرب بما يستحقون من اهتمام؟ لماذا لم تصل (مثلاً) السينما العربية الى العالمية إلّا نادراً؟ لماذا تراجع مستوى الغناء العربي شكلاً ومضمونًا؟ ما هي أهمية المصطلحات في ترسيخ المفاهيم؟ ما هو تعريف الإرهاب والمقاومة والثورة والحريّة؟ متى يكون فعلٌ ما إرهاباً ومتى يكون مقاومة وثورة؟ وقبل كل ذلك لماذا عجزت مجتمعاتنا عن بناء الدولة الوطنية الحديثة وأي مسؤولية للاستعمار والاستبداد في ذلك؟ وسواها من قضايا جديرة بأن توضَع على بساط البحث، لأن غيابها يساهم في تغييب العقل العربي، وإعلاء صوت العصبيات والغرائز المميتة. (...)

"لا تتقدم الأمم ما لم تحترم عقلها، وخير مَن يُعبِّر عن العقل الجمعي للمجتمعات هم المبدعون فكراً وأدباً وفناً. ولن نمل من التكرار أن المطلوب من تلك الشاشات والمنصات والمؤسسات على اختلافها بعض التوازن بين الترفيه من جهة والتثقيف من جهة ثانية، وهذه ليست فقط مسؤولية مهنية بل هي أولاً مسؤولية إنسانية، ولن نكون جديرين بهذه المسؤولية ما لم تتوفر الحرية الكاملة غير المشروطة كي يستطيع المبدع العربي أن يبتكر نصّه بلا خوف ولا وجل، وألا تكون الثقافة مجرد واجهة أو فاترينة للزينة والاستعراض."

ثم تطرّق الفنان التشكيلي والناقد الفني د. محمد شرف عن دور الناقد في الصحيفة في تقويم عمل الفنان، وعن تلك العلاقة التي تجمعهما: "ان النقد الفني كان موجودا منذ حقبة الفنون الكلاسيكية القديمة... فقد كان العمل الفني يعتبر جيدا إذا ما استوفى شروطا ومعايير محددة. وفي هذا المجال كان من المتوقع وجود عنصرين: احترام بعض المتطلبات الفنية، وربط العمل بحقبة من الكتاب المقدس. ومنذ ذلك الحين تطور النقد الفني الى شيء أكثر تعقيدا وتفصيلا، اذ صارت الذائقة الفنية لدى المتلقي تحكم على المنتج، ضمن شروط مختلفة عم سبق."

وان دور النُقاد عندنا يصبح ذا قيمة لكونهم يشكلون صلة الوصل المفروضة ما بين العمل الفني والجمهور، عدا عن صلة الوصل الأساس بين اللوحة والمتلقي. وفي حين أن وظيفة مؤرخ الفن تتمثل في هيكلة البيانات، والتعبير عن الإحساس بالتطور التاريخي، يتعامل الناقد الفني مع الحوادث الجارية فهو ينقل المعلومات، ويقدم التفسير الأول الذي يسمح لنا بتعريف العمل، وتحديد موقع عمل الفنان. فهو على هذا الأساس، يعتبر وسيطا بين الفنان والسوق والجمهور." "وما من شك في أن هذا الدور أصبح أكثر الحاحا في الوقت الحاضر مع ظهور اتجاهات فنية معاصرة، تختلف عن سابقاتها الكلاسيكيّة التي اعتاد الجمهور رؤيتها في الماضي." "ويمكن القول ان النقد الفني في بلدنا حديث العهد نسبيا إذا ما قيس بالنقد الفني الغربي... وإذا ما استعرضنا أسماء النقّاد الذين عملوا في الصحافة اللبنانية، فلا شكّ أن اسم الراحل نزيه خاطر يتصدر القائمة، فقد كان شاهدًا على الحركة الفنيّة لأكثر من نصف قرن من الزمن، وذلك منذ ستينات القرن الماضي وحتى رحيله عام 2014، غطّى ما شهدته بيروت من معارض تشكيليّة، وتابع تطورات الفن التشكيلي كما عاصر رموزه في فترة أوج الحركة الثقافية التي سبقت الحرب الأهلية، ولم يتراجع عن الكتابة والمتابعة رغم التراجع الذي عاشته هذه المدينة بعد ذلك. متنقلا بين لوسوار، لوريان لوجور ثم النهار... أما الراحل جوزيف أبو رزق فقد كان مؤسسا لمعرض الربيع ومعرض الخريف، وهو الذي رعاهما سنوات عدّة. وكان اهتمامه بالفن منذ خمسينات القرن الماضي، ومتابعته لفنانين لبنانيين ولنشاطاتهم جعله أكثر التصاقا بالتشكيل اللبناني."

ثم تطرّق الدكتور ميشال معيكي في متابعة شاملة للبرامج التلفزيونيّة الثقافية في لبنان وكيف كانت المسيرة منذ بدأ المهن التي التصقت به إلى يومنا هذا، مع الإناطة بأسماء بعض البرامج التي أضاءت على هذا الجانب وكيف اختلفت بين بعضها البعض.

يُذكر أن معرض الفن العربي (ARAB ART FAIR) يتابع أعماله في فندق الكورال بيتش في بيروت لغاية يوم الأحد 5 تشرين الثاني / نوفمبر 2023 من الساعة الثانية عشر ظهرًا لغاية الثامنة مساءً، بالإضافة إلى استمرار عقد الندوات يوميًا في مواضيع تتصل بالفنّ والثقافة، وهي دعوة مجانيّة للجمهور العام بأهمية زيارة هذا المعرض مع ما يقدّمه من تجربة فنيّة لا مثيل لها، ومن رؤية أعمال فنيّة من مدارس فنيّة مختلفة، بالإضافة إلى فرصة اللقاء مع عشرات الفنانين اللبنانيين والعرب.