يُقَبِّل المؤمنون الأيقونات عند دخولهم الكنيسة. تستقبلهم عند المدخل ما يُعرف بأيقونة التقبيلة. عادة تكون لشفيع الكنيسة، أو لعيد سيِّديٍّ تدعى الكنيسة باسمه. وبعدها يتَّجهون نحو الإيقونسطاس، أي حامل الأيقونات، ليُقَبِّلوا الأيقونات عليه. تترافق عمليَّة التقبيل مع الانحناء ورسم علامة الصليب.

كما قد نجد في بعض الكنائس أيقونة قدِّيس اليوم أو عيد اليوم، على حدة.

القبلة هي تعبير حارٌّ عن الشوق والمحبَّة والتلاقي. هكذا يجب أن تكون، صادقة، وتُتَوَّج بالإيمان. مِن هنا كتب بولس الرسول: «سلِّموا بعضُكم على بعض بقُبلة مقدَّسة[1]».

نلاحظ في الآية كلمتين أساسيَّتين تترافقان مع القبلة، هما السلام والقداسة. كذلك نقرأ عند بطرس الرسول: «سَلِّموا بعضُكم على بعض بقُبلة المحبَّة[2]».

فإذا جمعنا الآيتين لَوَجدنا ثلاثيَّة الارتقاء: السلام والمحبَّة والقداسة.

كلُّ كلمة منها مسار وجهاد. ولا يبلغها المرء إلَّا إذا تصالح مع نفسه أوَّلًا ومات عن ذاته ثانيًا. هذا يتطلَّب مراجعة شخصيَّة بعمق وجدِّيَّة وتوبة صادقة، وتسليم كلِّيٍّ لإله السلام الربِّ يسوع المسيح.

يشرح القدِّيس يوحنَّا الذهبيُّ الفم في ذلك، فيقول إنَّ القبلة المقدَّسة هي خالية مِن كلِّ كذب وغشٍّ ورياء وخداع ووصوليَّة وطعن وخيانة. وإلَّا سمعنا يسوع يقول لنا كما قال لتلميذه الخائن: «يا يهوذا، أبقُبلة تسلِّم ابن الإنسان[3]؟». فنحن نقترب من الربِّ ونقبِّله لنسلِّم أنفُسنا له، وليس العكس، أي نقبِّله قبلة غاشَّة ونسلِّم الربَّ للصلب ونطعنه.

كيف يا ترى نخون الربَّ؟.

قد نجد الجواب النافع في صلاة التحضير لتناول القدسات الَّتي من المفترض أن يتلوها المؤمن قبل الاقتراب من المناولة الإلهيَّة، وتدعى في اللغة الليتورجيَّة «صلاة المطالبسي metalēpsis»، وهي كلمة يونانيَّة تأتي بمعنى المناولة (المشاركة). فمن ضمن ما تقول: «إقبلني اليوم شريكًا في عشائك السرِّيِّ يا ابن الله. لأنِّي لستُ أبوحُ بسرِّكَ لأعدائك. ولا أعطيك قبلة غاشَّة مثل يهوذا».

العداوة ضدَّ المسيح هي نكران عمل الروح القدس والعمل ضدَّ الإنجيل. صحيح أنَّ الصلاة تقرأ قبل المناولة، ولكنَّها تعي كلَّ مسار حياتنا.

فعندما يكون المرء ضدَّ المسيح يكون ضدَّه في كلِّ شيء.

هنا وجب أن نضع نُصب أعيُننا عيون الربِّ في الأيقونة الناظرة إلينا، ونطرح السؤال على أنفسنا، إن كنَّا فعلًا معه أو ضدَّه. عن معرفة أو عن جهل. كذلك، لا يكمن الجواب في الكلام والحركات الخارجيَّة، بل بالتطبيق والجهاد والتوبة، وما يوجد في عمق قلوبنا.

فهل عندما نقترب من أيقونة السيِّد ونقبِّلها، نعي حقًّا ماذا نفعل، وفي حضرة مَن نحن نكون؟.

في إحدى دفاعات القدِّيس ثيوذوروس الستوديتي عن لاهوت الأيقونة، يقول: «صحيح أنَّ المادَّة الخشبيَّة والألوان الَّتي تشكِّل الأيقونة ليست هي الربَّ، ولكنَّها تمثِّله». ويتابع: «يسوع لم يصبح مادَّة، ولا المادَّة عندما نجعلها أيقونة للربِّ تصبح الإله المتجسِّد، ولكن هي تأكيد لتجسُّده وصيرورته إنسانًا، وهي تشير إليه».

هذا يعني أنَّنا عندما نتقدَّم من أيقونة الربِّ، أو أيقونة أخرى، نمتثل أمام مَن وما تمثِّله الأيقونة، تمامًا مثل راية الوطن، أو تصوير الإمبراطور أو رئيس البلاد.

هي في الأصل مادَّة وأصبحت بعد التصوير عليها بطاقة روحيَّة تدعونا إلى الملكوت، وتدعونا أيضًا إلى تعرُّف ما نشاهده فيها.

يضاف إلى ذلك، أنَّ الربَّ يعطي في حالات عديدة نعمة خاصَّة، فتتقدَّس المادَّة ويصبح هناك ما يسمَّى «أيقونات عجائبيَّة»، فترشح زيتًا، أو يشعُّ منها نور، أو أمور أخرى.

هذا كلُّه ليخاطبنا ربُّنا بالأشياء الملموسة والمنظورة، ليعبر بنا إلى ما هو أبعد من الملموس والمنظور. يخاطبنا من خلال المادَّة لنرتقي فوق المادَّة. يستعمل لغتنا ليُفهِمَنا لغتَهُ.

إنَّها علاقة شخصيَّة بين المؤمن والإله المتشخصن لنتألَّه بالنعمة.

كما يأتي وجود الأيقونات داخل الكنيسة تكملة لحالتَي السلام والقداسة المدعوِّين نحن إليها. فالقدَّاس الإلهيُّ يبدأ بعد الإعلان الملكوتيِّ: «مباركة مملكة الآب والابن والروح القدس...»، بالطلبة السلاميَّة الكبرى، الَّتي تبدأ: «بسلام إلى الربِّ نطلب».

الطلبة السلاميَّة في تفاصيلها تشمل كلَّ المسكونة وقاطنيها. فنحن مدعوُّون إلى أن نكون بسلام مع أنفسنا من خلال اتِّحادنا بالربِّ، ليترجم هذا السلام مع الآخرين، وكلِّ ما يحيط بنا.

ولا ننسَ أنَّ قمَّة القدَّاس الإلهيِّ تكون في تناوُل القدسات، دم وجسد الربِّ الكريمين. وما أجمل أن نتأمَّل بما ترتِّله الجوقة بعد أن يعلن الكاهن جهارة: «القدسات للقدِّيسين»، إذ تقول الجوقة: «قدُّوسٌ واحِدٌ ربٌّ واحِدٌ يسوع المسيح لمجدِ الله الآب، آمين».

طبعًا يسوع هو مصدر قداستنا، ونحن نقترب من القداسة بقدر ما نتوب ونتواضع ونحبُّ، ويكون عندنا سلام الربِّ. فالقدِّيسون هم التائبون.

بالعودة إلى القبلة، فهي أيضًا بمثابة ختم وتأكيد، كأنَّنا بها نقول: «آمين»، أي نصادق على الشيء.

خلاصة، أعطنا يا ربُّ سلامك لندنو منك بقبلة صادقة، لأنَّك القدُّوس، ومشيئتك أن نتقدَّس بنعمتك. عندها نرتقي إلى ما خُلقتنا إليه، وكنَّا حقًّا أبناءك.

إلى الربِّ نطلب.

[1]- رومية 16: 16 - 1 كورنثوس 16: 20 - 2 كورنثوس 13: 12 – 1 تسالونيكي 5: 26

[2] - 1 بطرس 5: 14

[3] - لوقا 22: 48