لم يكن نعي حركة "حماس" في لبنان، لأشخاص جدد قضوا على الجبهة الجنوبيّة أمرا جديدا، إذ سبق ونعت كثر "على طريق القدس" وفي إطار معركة "طوفان الأقصى" التي نفذتها في 7 تشرين الأول 2023 ضد المستعمرات في غلاف غزة، والتي أعقبها عدوان إسرائيلي على القطاع وارتكاب المجازر والإبادة الجماعية بحق الأبرياء من المدنيين والصحافيين والطواقم الطبية.

لكن اللافت أنها منذ أيام قليلة قامت بنعي خمسة آخرين في قصفٍ اسرائيلي على جنوب لبنان، (الثلاثاء 21 تشرين الثاني 2023) ومن بينهم نائب قائد كتائب القسام في لبنان خليل خراز (مخيم الرشيدية)، إضافة الى تركيين اثنين ولبنانيين وهم وبلال أوزتورك ويعقوب أردال (تركيين) وأحمد عوض، وخالد ميناوي (لبنانيين).

وإذ تعتبر النعوة، الأولى لحركة "حماس" من غير فلسطينيين، رأت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، أنها مؤشر على مدى حضورها السياسي في الساحة اللبنانية والإسلامية والتي استطاعت من خلاله استقطاب مؤيّدين لها أو مناصرين في صفوفهم من غير الفلسطينيين، وخاصة في إطار عملية "طوفان الأقصى" التي حققت فيها انتصارا بالهجوم على مستوطنات غلاف غزة وكسرت صورة وهيبة الجيش الّذي بان أنّه "جبار من ورق" (Un geant de papier) وليس الجيش الذي لا يقهر.

وأوضح المسؤول الإعلامي لحركة "حماس" في لبنان وليد كيلاني لـ"النشرة"، أن نصرة غزة وشعبها ومقاومتها تتخذ أشكالا عديدة وليست مقتصرة على العمل العسكري أو على الجنوب اللبناني، بل على امتداد الساحة اللبنانيّة وكثير من الدول العربية والإسلاميّة، ومن جنسيات مختلفة، على اعتبار أن عملية "طوفان الأقصى" أعادت للقضية محوريتها ومركزيتها، وبالتالي فإن استشهاد الأخوة من الأتراك واللبنانيين يأتي في هذا السياق الإغاثي وليس العسكري".

وقال كيلاني "إن "حماس" كانت واضحة في بيان نعيهم إذ ترحّمت على أرواح هؤلاء الشهداء الذين عبّروا عن حبهم للأقصى والقدس وفلسطين، وغيرتهم على إخوانهم في غزة، وقد جسّدوا بتضحيتهم نبض أمتنا العربية والإسلامية، وقد أكدت بأن استهداف الاحتلال الصهيوني لن يردع شباب أمّتنا وأحرار العالم عن مواصلة النصرة والتضامن مع شعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة، حتى دحر الاحتلال النازي عن أرضنا ومقدساتنا وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، قبلة المسلمين الأولى ومسرى نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم".

المقاومة والعودة

والانخراط في العمل الإغاثي نصرة لغزة وشعبها ومقاومتها، ليس الوحيد الذي كرسته عملية "طوفان الأقصى"، فقد أعادت التمسك بخيار المقاومة كسبيل لتحرير الأرض ودحر الاحتلال بعيدا عن الرهان على مفاوضات السلام، وجدّدت الآمال بحتمية العودة، بعد محاولات حثيثة ومتكررة لشطبها، ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية سواء من خلال التهجير أو التوطين وبات أبناء المخيمات يتطلعون اليوم بثقة كبيرة إلى تحقيق هذا الحلم المؤجل منذ 75 عاما.

ومحاولات شطب حق العودة بدأت منذ سنوات بعيدة في أعقاب نكبة فلسطين العام 1948، ولم تتوقف وارتفعت وتيرتها بدءا من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، مرورا باتفاق "أوسلو" في 1993، و"صفقة القرن" الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وصولا إلى الضغوط الاقتصادية والمعيشية لدفع أبناء المخيمات على خيار اللجوء الإنساني الطوعي والهجرة.

ويؤكد القيادي في "حركة الجهاد الإسلامي" في لبنان جهاد محمد لـ"النشرة"، "أن عملية "طوفان الأقصى" شكلت حالة من الوعي لدى الشعب الفلسطيني عموما واللاجئين الفلسطينيين في لبنان خصوصا، بأن العودة إلى ديارهم وأرضهم ومنازلهم أصبحت حقيقة، مشيرا إلى أنّ اللاجئين في لبنان عاشوا الحرمان على مستوى الحقوق المدنيّة والإجتماعيّة كافة، وكادوا يفقدون الأمل بالعودة مع محاولات دفعهم نحو اللجوء والهجرة، ولكن مع العملية اصبحت العودة الى الديار حتمية ومسألة وقت فقط، رغم كل ما يمارسه الإحتلال الصهيوني من مجازر وقتل للأطفال والنساء والشيوخ، ومحاولة لكسر إرادة المقاومة في غزة والذي أفشلته إرادة وصمود شعبنا الذين كانوا يخرجون من بين الركام، ليؤكدوا على إلتصاقهم بهذه المقاومة وبأن هذه الوحشية الإسرائيلية لن تكسرهم ولن يسمحوا بتكرار سيناريو النكبة مرة أخرى".