على وقع الهدنة الإنسانيّة الموقّتة في قطاع غزة، وانسحابها على الجبهة الجنوبيّة، أكّدت اوساط قريبة من "حزب الله" لصحيفة "الجمهورية"، أنّ "تطورات الجبهة الحدودية مرتبطة بتطورات الميدان في غزة"، مشدّدةً على أنّ "المقاومة الاسلامية في قلب المعركة منذ الثامن من تشرين الاول الماضي، ولن تخرج من الميدان، وجهوزيتها كاملة لمواكبة تطورات الميدان العسكري في غزة، اياً كانت هذه التطورات، وكذلك لمنع ايّ عدوان اسرائيلي على لبنان؛ وبالتالي فإنّ المقاومة لن تترك اسرائيل العدو طالما يواصل عدوانه على غزة".

القرار 1701

في هذه الأجواء، كشفت مصادر سياسيّة واسعة الاطلاع لـ"الجمهورية"، أنّ "الحركة الدبلوماسية الغربية ما زالت تركّز على أولوية تجنيب لبنان احتمالات الحرب، وتحذّر من عواقبها الوخيمة"، مشيرةً إلى أنّ "على رغم تأكيدات المسؤولين اللبنانيين على عدم الرغبة انخراط لبنان في حرب واسعة، فإنّ الوضع في منطقة الحدود ما زال يبعث على القلق، وقائد قوات "اليونيفيل" الجنرال ارولدو لازارو، عبّر عن مخاوف حقيقية من أنّ اي تصعيد اضافي في جنوب لبنان يمكن ان تكون له عواقب مدمّرة".

ولفتت إلى أنّ "جهات غربية أبلغت الى مسؤولين لبنانيين، خشيةً كبرى من أن تخلق الوقائع الحربية على خط حدود لبنان الجنوبية، واقعاً جديداً يتجاوز بخطورته القرار 1701، ويصعّب مهمّة قوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان، بل ويحيط هذه القوات بمخاطر".

حزب الله باشر الإحصاء من الناقورة إلى شبعا: التعويض عن كل أضرار العدوان

وفي ما يتصل بالوضع عند الحدود اللبنانية الجنوبية، أفادت صحيفة "الأخبار" بأنّ "مؤسسات معنيّة في "حزب الله"، وعلى رأسها "جهاد البناء"، أطلقت عملية الكشف على الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية، وبوشر دفعُ تعويضات في خضمّ المعركة، لدعم صمود من رغب مِن الأهالي بالبقاء في أرضه".

وعلمت "الأخبار" أن "تواصلًا باشر به المعنيون بالملف في الحزب مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، للدفع في اتجاه لعب مؤسسات الدولة دورها في هذا المجال". وذكرت أنّ "فرق "جهاد البناء"، تواصل منذ ما قبل إعلان الهدنة الحالية في غزة، إحصاء الأضرار في المنطقة الممتدّة من الناقورة إلى شبعا، وما بينهما من بلدات على طول خط الجبهة البالغ نحو 100 كلم تقريباً من الحدود مع فلسطين المحتلة. وفي أولى النتائج المحسومة، تفيد المعلومات بأن 37 وحدة سكنية دُمّرت بشكلٍ كلي، و11 أخرى تعرّضت لحرائق، وتُجري فِرَق هندسية متخصّصة عمليات فحصٍ لأساساتها، لتقدير ما إذا كانت حالتها تسمح بترميمها أو إعادة بنائها".

وكشفت الصحيفة أنّ "في النتائج غير النهائية، المرشّحة للتغيّر مع استكمال عمليات الكشف، تبيّن تضرر نحو 1500 وحدة سكنية، تتفاوت الخسائر فيها من كسرٍ في الزجاج إلى سقوط جزئي للجدران"، موضحةً أنّ "المرحلة الأولى من المسح ودفع التعويضات بدأت قبل الهدنة، في بلدات الخط الثاني، كمجدل زون وياطر وبيت ياحون وشقرا والطيري وكونين، لكي تتمكّن العائلات التي صمدت في قراها من إصلاح الأضرار اللاحقة بمنازلها والبقاء فيها. ومع دخول الهدنة حيّز التنفيذ، انطلق المسح في بلدات الحافة الأمامية، وهي لا تزال جارية، ومن ضمنها يارون، مروحين، الضهيرة، عيترون، مارون الرأس، ميس الجبل، بليدا، محيبيب، الخيام، حلتا، شبعا، برج الملوك، مرجعيون ورميش... فيما اتّضح أنّ عيتا الشعب كانت أكثر القرى تضرراً".

كواليس التعزية الروسية لرعد

ركّزت صحيفة "الجمهورية" على أنّه "بدت لافتة للانتباه، التعزية الروسية، ولو بالواسطة، للنائب محمد رعد باستشهاد ابنه عباس، نتيجة اعتداء اسرائيلي على بلدة بيت ياحون. وكان نائب وزبر الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قد تمنّى على الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، خلال اتصال هاتفي بينهما، نقل تعازيه الى رعد، في مبادرة لا تخلو من دلالات سياسية؛ على الرغم من انّ طابعها وجداني".

وأكّدت أنّ "بالطبع، لا يمكن فصل هذه المبادرة من ممثل دولة عظمى عن العلاقة الممتازة التي تربط الروس بـ"حزب الله"، واحترامهم لموقعه في المعادلتين الداخلية والاقليمية، وصولاً الى التقاطع او التلاقي بينهم وبينه حول خيارات استراتيجية، خصوصاً في مواجهة السياسات الأميركية التي أصبحت روسيا اكثر شراسة في التصدّي لها بعد اندلاع الحرب الاوكرانية".

وأفادت معلومات الصحيفة، بانّ "خلال الاتصال بين بوغدانوف وجنبلاط في حضور سفير لبنان لدى موسكو وعميد السلك الدبلوماسي العربي شوقي بو نصار، أعرب جنبلاط عن قلقه من احتمال ان تلجأ اسرائيل الى توسيع رقعة الحرب في اتجاه لبنان، فأجابه الدبلوماسي الروسي بأنّ مخاوفه واقعية، موضحاً له انّ لافروف يتواصل مع تل أبيب لحضّها على تفادي التصعيد ضدّ لبنان".

ولفتت إلى أنّه "يُنقل عن بوغدانوف انّ علاقة بلاده مع إسرائيل متراجعة في هذه المرحلة، بفعل تداعيات الحرب في اوكرانيا، "وسفيرها يتهمنا باتخاذ موقف متقدّم عن بعض العرب ضدّ دولته، وبالتالي ليست لدى روسيا حالياً قوة ضغط كافية عليها، بعدما أصبحت متماهية مع الأميركيين مئة في المئة"؛ الّا انّه يؤكّد في الوقت نفسه استمرار التواصل معها لدعوتها الى التروي والتهدئة".

وعلمت "الجمهورية أنّ "أثناء اجتماع بوغدانوف مع بو نصار، أبلغ السفير اللبناني اليه أنّ ابن النائب محمد رعد استُشهد في الجنوب، فأبدى بوغدانوف تأثراً، فيما روى له بو نصار كيف أنّ "حزب الله" لا يميز في التضحيات التي يقدّمها بين ابناء مسؤوليه والمقاتلين العاديين، بدءاً من ابن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، "وهناك إجماع داخلي على احترام هذه الظاهرة على الرغم من خلافات البعض سياسياً مع الحزب".

ملف التمديد والتعيين

من جهة ثانية، أشارت "الجمهوريّة" إلى أنّ "الملف المتعلق بتأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون او تعيين قائد جديد للجيش، بات اسير ضيق الوقت، حيث بات يضغط بقوة مع اقتراب فترة انتهاء ولاية العماد عون".

وذكرت أنّه "فيما بات اكيداً انّ خيار تعيين قائد جديد قد سُحب من التداول نهائياً، يُنتظر ان يسلك هذا الملف مساره نحو الحسم بتأخير تسريح قائد الجيش، أكان في جلسة لمجلس الوزراء او في جلسة تشريعية يعقدها مجلس النواب في بدايات الشهر المقبل، يُحدّد موعدها بعد اجتماع يدعو اليه رئيس المجلس لهيئة مكتب مجلس النواب، رجحت مصادر وزارية عبر "الجمهورية" أن يُطرح هذا الأمر في جلسة مجلس الوزراء التي سيدعو اليها رئيس حكومة تصريف الاعمال في وقت قريب؛ والشرط الأساس لذلك هو اكتمال نصاب انعقاد الجلسة".

قيادة الجيش: لا التعيين مُيسّرٌ ولا التمديـد آمنٌ

في السّياق، أفادت "الأخبار" بأنّه "فيما لا عجلة في عامل الوقت بإزاء انتخاب رئيس للجمهورية، وقد مضى على شغور المنصب سنة وشهر يكتمل بعد يومين، لبتّ مصير قيادة الجيش مهلة مقيّدة يصعب تجاوزها تفادياً للمحظور. ذلك ما يساهم في طرح مخارج مختلفة لم يحظَ أيٌّ منها الى الآن بتوافق الحد الأدنى يتيح إمراره: لا تعيين قائد جديد للجيش خلفاً للعماد جوزف عون بعد إحالته على التقاعد في 10 كانون الثاني 2024 يحظى بالتوافق الممكن، ولا تمديد سنّ تقاعد القائد الحالي بقانون في مجلس النواب يحظى بدوره بتوافق ممكن".

وفسّرت أنّ "المَخرجَين المتبقيين دونهما صعوبات ليست أقل تأثيراً: تأجيل تسريح عون بقرار من وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم مستعصٍ، والتفكير في تعيين رئيس للأركان في مجلس الوزراء يتسلّم صلاحيات قائد الجيش ما إن يشغر منصبه نصف مستعصٍ".

وبيّنت الصحيفة أنّ "استعصاء خيار تأجيل التسريح مرتبط بالموقف السياسي المغالي في سلبيّته من وجود عون في منصبه لدى "التيار الوطني الحر"، وهو المبرّر الفعلي لطلب تعيين قائد خلف له على أنه أفضل الطرق للتخلص من القائد الحالي.

أما الاستعصاء الثاني فيرتبط بالمرجعية الوحيدة المعنية بتسمية رئيس الأركان، وإن يكن مصدر التعيين هو مجلس الوزراء "بناءً على اقتراح وزير الدفاع الوطني بعد استطلاع رأي قائد الجيش" عملاً بالمادة 21 في قانون الدفاع. كلا وزير الدفاع وقائد الجيش ليسا سوى ممرّين شكليّين لتعيين رئيس الأركان. أما مجلس الوزراء فلا يسعه إلا التسليم بالاسم الذي تقدّمه المرجعية الحصرية، المكرسة منذ عام 1991 بالرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، يوم اختار العميد رياض تقي الدين للمنصب".