كانت الهدنة الإنسانية في غزة مناسبة لتهدئة الجبهة الجنوبية في لبنان ما أتاح للبنانيين النازحين من القرى الحدودية العودة الى تفقد أحوالهم ومنازلهم، ولكن ما يجري في الجنوب بات مرتبطاً بما يجري في غزة، وبحال عادت الحرب هناك، ستعود في لبنان، وهذا ما يجعل من النازحين يربطون البقاء في قراهم بوقف إطلاق النار.

لا يمكن القول أن مشكلة النزوح انتهت، ولكن كان لافتاً في هذه الجولة من الحرب أنها كانت من الجنوب الى الجنوب، وبالتحديد من القرى الحدودية الجنوبية الى المناطق الداخلية فيه، وهو ما لم يكن بحسبان من وضع الخطط للتعامل مع ملفات النزوح بأي حرب مقبلة، وعلى رأسهم جمعية "وتعاونوا" التي كانت قد وضعت منذ زمن خطة كاملة لمواجهة من هذا الحجم.

كانت الجمعية، قبل بدء النزوح، قد اعدت خطة متكاملة لنزوح الجنوبيين وأبناء الضاحية الجنوبية في أي حرب مقبلة، تتضمن توجيههم منذ لحظة خروجهم من قراهم باتجاه مناطق عديدة في لبنان جُهزت لاستقبالهم، مع التكفل بكل حاجاتهم، وهنا الحديث بشكل أساسي عن النازحين الذين لا يملكون مكاناً يلجأون إليه، ولكن كل هذه الخطة تبدلت مع النزوح من الأطراف الى الوسط والداخل.

في محافظة صور لوحدها هناك حوالي 16 ألف نازح، 10 بالمئة منهم فقط الى 4 مراكز إيواء عمل اتحاد البلديات والبلديات ومجلس الجنوب والاحزاب والجمعيات ومنظمات دولية على تجهيزها وتأمين المستلزمات اللوجستية لتكون صالحة للسكن، والبقية توزعوا في شقق أو نزلوا عند أقارب لهم، وهنا يُشير رئيس جمعية "وتعاونوا" عفيف شومان الى أن قلّة قليلة عملت على استئجار الشقق، اما الأغلبية فكانت تُقدّم لها الأماكن مجاناً.

يُشير شومان الى أن الجمعية أعادت تنظيم خطّتها بناء على النوع الجديد من النزوح، وعملت على تأمين شقق ومنازل في الجنوب للاستقبال، ويقول عبر "النشرة": "في مرّات عديدة كنا نستأجر الشقق وندفع بدل الإيجار، ولكن عندما يكتشف المالكون أننا استأجرناها لإيواء نازحين كانوا يُعيدون الأموال".

في نهاية الأسبوع الماضي عملت الجمعية على توزيع مساعدات ماليّة على النازحين والصامدين في قراهم، إضافة الى حصص تموينيّة، وقد وصل عدد العائلات التي حصلت على المساعدات الى حوالي ألفي عائلة بحسب شومان الذي يؤكد أنّ الهدف هو أولاً تمكين الصامدين من البقاء في قراهم، وثانياً تعزيز أوضاع النازحين وتأمين كل مستلزماتهم.

لم يتم إنشاء مراكز للإيواء في الجنوب سوى في صور والأسباب بحسب معلومات "النشرة" كانت كثافة الواصلين الى المدينة بوقت قليل، لذلك لم يكن هناك إمكانيّة لتأمين الجميع سوى عبر هذه المراكز، مع الإشارة الى وجود محاولات لنقل هؤلاء تدريجياً الى منازل وشقق، بحال عادت الجبهة الى الاشتعال من جديد.

مع بدء الحديث عن النزوح ارتفعت أسعار الشقق بصورة خياليّة، خاصة مع استئجار أصحاب الأموال للشقق تحسباً لأيّ طارئ، ولكن عندما تحوّل النزوح بطريقة داخلية، كان الجميع أمام امتحان، ويبدو بحسب الأرقام أنهم نجحوا فيه، فكان الاحتضان الكامل لأبناء القرى الحدودية، لكنه لا يكفي ولا يُعفي الدولة من دورها في تأمين كل متطلبات هؤلاء، من النزوح، حتى إعادة البناء والترميم وتقديم التعويضات.