من الطبيعي جداً أن ترتفع الأصوات المطالبة بإعادة فتح الدوائر العقارية في جونية والجديدة وبعبدا والشوف بعد أشهر على إقفالها بسبب ملاحقة الأكثرية الساحقة من موظفيها بتهم الفساد وتقاضي الرشوة والإثراء غير المشروع من قبل النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان، وبسبب مذكرات التوقيف الوجاهية والغيابية التي أصدرتها الأخيرة بحق أمناء السجلات العقارية ومعاونيهم ورؤساء الدوائر والموظفين العاديين.

نعم من الطبيعي والمنطقي أن تتم المطالبة بإعادة فتح هذه الدوائر لا بل من الضروري جداً أن يُعاد فتحها وبسرعة نظراً لتداعيات الإقفال السلبية على المواطنين، الذين يريدون إنجاز معاملاتهم العالقة، ولأن الخسائر المالية التي تتكبدها الخزينة العامة من جراء هذا الإقفال تقدر بعشرات الآلاف من المليارات.

أما الأمر غير الطبيعي وغير المنطقي فهو التصريحات السياسية التي تصدر من هنا وهناك، وأحياناً عن نواب كسروان-الفتوح وفيها إنتقاد مباشر للقضاء ولوزارة المال وغيرها من الوزارات المعنيّة بتهمة "عدم معاملة منطقة جبل لبنان كغيرها من المناطق" وعن "إجحاف يلحق بهذه المنطقة" وصولاً الى الحديث عن "إستهداف سياسي"، كل ذلك بسبب إقفال الدوائر العقارية فيها وعدم إعادة فتحها بالسرعة المطلوبة.

فعلاً نحن في بلد يشبه كل شيء إلا الدولة والمؤسسات والقانون!.

فعلاً من المعيب جداً أن يُنتقد القضاء في جبل لبنان لأنّ المدعي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية الشريفة غادة عون ومعها المحامي العام الإستئنافي القاضي سامر ليشع قاما بواجبهما وفضحا واحدة من أكبر السرقات التي تحصل لبنان، ألا وهي سرقة الناس عبر الرشاوى داخل الدوائر العقارية ومنع المواطنين الذين لا يدفعون الرشوة من إنجاز معاملاتهم بسهولة. نعم بدلاً من شكر القضاء أولاً على ملاحقة الفاسدين ومنعهم من مزاولة عملهم الذي يضرّ بالمواطنين وبالخزينة ومطالبة النيابات العامة في المناطق الأخرى بإتخاذ قرارات مماثلة وملاحقة الموظفين الفاسدين، ومن ثم المطالبة بإعادة فتح الدوائر العقارية، وهو مطلب محق وطبيعي ومنطقي، يتم التصويب على القضاء وكأنّ المجرم في هذا الملفّ هو غادة عون لا العشرات من الموظفين الذين توارى عدد كبير منهم عن الأنظار منذ فتح الملف القضائي، وأوقف من أوقف قبل أن يُخلى سبيله لاحقاً بكفالة أو بسند إقامة الى حين إنتهاء المحاكمة.

على أيّ حال ما صدر من توصيات عن الإجتماع الأخير للجنة الإدارة والعدل النّيابية حول هذا الملف لا يبشّر كثيراً بالخير، خصوصاً لناحية البند الأول من التوصيات والذي يتحدث عن ضرورة الإسراع بتنظيم مباراة لتوظيف موظفين في الدوائر العقارية بدلاً من الملاحقين قضائياً، كل ذلك وقرار منع التوظيف في الإدارات العامة المتخذ من قبل مجلس الوزراء لا يزال نافذاً وما من إدارة أو مؤسسة تخرقة.

أمام هذا الواقع يبقى الأمل الوحيد بإعادة فتح الدوائر العقارية عبر نجاح البند الثاني من توصيات اللجنة، وتحديداً ما تقوم به المديرية العامة للشؤون العقارية ووزارة المال لناحية محاولة الإستعانة بموظفين من الوزارة لتسيير معاملات العقاريّة وبموظفين لم تتمّ ملاحقتهم قضائياً من الدوائر المذكورة، وهو مسعى يحتاج الى حوالى أسبوع واحد كي تتضح صورته وحظوظ نجاحه.