يبدو واضحاً منذ اليوم الاول ان رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يتوق ويعمل بكل جهد لتوسيع نطاق الحرب وعدم حصرها بغزة او بالاراضي الفلسطينية، بل لتشمل المنطقة بأسرها. هذا الواقع بدأ يفقد زخمه بفعل المجازر التي ارتكبتها، ولا تزال ترتكبها، القوات الاسرائيليّة في غزة بحق المدنيين من نساء واطفال على وجه الخصوص، والمخاوف التي تحيط بالدول الغربية وفي مقدّمها الولايات المتحدة حول التداعيات والنتائج البالغة السلبية على هذه الدول من الدخول في حرب على نطاق واسع، لن تكون اسرائيل بمنأى عن ضحاياها.

ما طرح في الساعات الماضية على انه الحل في ما خص الوضع على الحدود اللبنانيّة واختصاره ان القوات الفرنسيّة تتولى التواجد على الحدود اللبنانيّة، فيما تتولى المهمّة نفسها قوات اميركيّة على الناحية الاخرى من الحدود، وتصبح المنطقة الى ما بعد جنوب الليطاني خالية من السلاح ما عدا سلاح الجيش اللبناني، فيما تتشارك المؤسسة العسكريّة اللبنانيّة مهام المراقبة مع عناصر من حزب الله. هذا السيناريو تم طرحه، وفق ما يدور في الصالونات السياسية، على انّه جس للنبض، ويمكن ان يكون مجرد محاولة جدّية لايجاد ارضية مشتركة يمكن التفاهم عليها للوصول الى تسوية ما، لانّ هذا الاقتراح كما هو لا يمكن تطبيقه لعوامل عدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

بداية، اذا كانت القوات الاميركيّة تحظى بثقة الاسرائيليين لتتواجد على الناحية التي يسيطر عليها الاسرائيليون، فمن المؤكد ان القوات الفرنسية لا تحظى بثقة الاسرائيليين اولاً واللبنانيين ثانياً، والا لكان الطرح ان تتواجد هذه القوات على طرفي الحدود، فيما باتت النوايا الفرنسيّة موضع شك لدى اللبنانيين على اكثر من صعيد بعد المواقف التي تمّ اطلاقها ان بالنسبة الى حرب غزة، او بالنسبة الى الاستحقاقات السياسية في لبنان.

الامر الثاني الذي يجدر التوقّف عنده وفق ما يقوله الكثيرون، هو عدم الثقة مطلقاً بقوات الامم المتحدة المتواجدة اصلاً ضمن عداد قوات "اليونيفيل" والتي يتصارع الجميع عند انتهاء مدة ولايتها، للتجديد لها اما وفق الشروط نفسها او بناء على شروط اضافيّة، وبالتالي فالسؤال يطرح عن جدوى وجودها ولماذا لا تتولى هي العمل على طمأنة الطرفين، علماً انه امر يدخل في صلب عملها؟.

اما المشكلة الاكبر التي تعترض هذا الطرح، فهي مسألة السلاح وحصره بالجيش اللبناني طول المسافة المحدّدة، فمن الذي سيقنع حزب الله بسحب السلاح، ومقابل أيّ ثمن؟ وكيف سيجيب منتقدو الحزب على ذريعة انّ الاسرائيليين سبق واستهدفوا الجيش اللبناني ولم يكن هناك من قرار سياسي يسمح للجيش بالرد، فهل سيتولى الفرنسيّون الردّ؟ اما الاستهداف بحدّ ذاته، فهو يعني رفض اسرائيل لهذا الاقتراح وبنوده، لانه من شأن هذا الاعتداء ان يبعد الثقة المحلية بالجيش، ومنعه بالتالي من القيام بواجبه واظهاره وكأنه يخضع للاملاءات والضغوط الخارجية فيما خضوعه عملياً محصور بالسلطة السياسية اللبنانية وفق ما تنص عليه التشريعات والقوانين التي لم يخالفها الجيش يوماً.

اضافة الى كل ذلك، واذا ما استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، من الواضح ان هذا الحل تم تقديمه لانقاذ ماء الوجه للمسؤولين الاسرائيليين الذين سيتبجّحون بأنهم قدّموا الامان والاطمئنان لسكان المستوطنات على الحدود اللبنانيّة، بعد ان تحمّلوا انتقادات وتهجّمات المستوطنين الذين يعيشون بعيداً عن منازلهم خوفاً من استهدافات الحزب وامكان تسلله ومعاودة سيناريو ما فعلته حركة "حماس" في 7 تشرين الاول الفائت.

ازاء كل ذلك، قد يكون الاقتراح المذكور منطلقاً للوصول الى تسوية ترضي الجميع، ولكن من شبه المؤكد انّ الطرفين المعنيين لن يقبلا به من دون تعديلات اساسية يتم ادخالها عليه، والى ذلك الحين، ستبقى الانظار مشدودة الى غزّة وما تحمله الايام من تطورات ميدانية فيها.