أن تأتي خطوات طهران الانفتاحية على دول عدّة، في زمن الازمات والحروب، فهي مؤشر ايجابي يُحسب للجمهورية الاسلامية الايرانية التي اعلنت عن قرار يُعفي مواطني 32 دولة من تأشيرة الدخول من جانب واحد، وفي مقدمتهم دول الخليج العربي: السعودية والامارات والكويت والبحرين وقطر.

تحمل تلك الخطوة ابعادا ايجابية تتعدّى ما قاله وزير التراث والسياحة الإيراني عزة الله ضرغامي: طهران مستعدة لفتح أبوابها أمام شعوب العالم وتقديم المزيد من التسهيلات لهم حتى يتمكنوا من زيارة ايران بسهولة والتمتع بمزاياها، وبالتالي مواجهة الإعلانات السلبية والشائعات واخماد ظاهرة الايرانوفوبيا.

بل ان خطوة بهذا الحجم تُقاس سياسياً، خصوصاً ان ايران تقيم تعاوناً إقتصادياً فعّالاً مع معظم تلك الدول التي شملها قرار طهران الاخير.

اذا كانت قطر صديقة ايران وتربطها بها علاقات سياسية ودبلوماسية طيبة وفعّالة، فماذا تعني خطوة فتح طهران ابوابها للسعودية والامارات والبحرين والكويت من دون تأشيرات دخول، وماذا يعني القرار الايراني الاحادي الجانب؟ انه يؤكد وجود معطيات بالجملة:

-رغبة ايران في استكمال التسويات مع هذه الدول الخليجية الفاعلة عربياً واقليمياً.

-سعي طهران الى طي صفحات الماضي بما تحويه من ازمات وتوترات وخطابات حادة.

-عدم تبني ايران لأي خطاب سياسي او اعلامي من حلفائها ضد تلك الدول العربية، لا بل عدم اتخاذه في حسابات المصلحة الاقليمية.

-ابداء الثقة الايرانية الامنية والسياسية بقيادات وشعوب تلك الدول الخليجية، بإعتبار ان دخول مواطنيهم الاراضي الايرانية من دون تأشيرات تعني فتح ابواب الجمهورية الاسلامية ومساحاتها لهم من دون اجراءات مسبقة.

-تعزيز التعاون الاقتصادي الايراني القائم مع دول خليجية، حيث تبلغ قيمة التبادل التجاري السنوي بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ودولة الامارات العربية المتحدة ٢٢ مليار دولار سنوياً.

-مضي طهران بسياسات تصالحية اقليمية رسّختها في الانفتاح المتبادل مع الدول العربية، والتي ستصل الى نتائج تسووية وتفرض السلم الاقليمي.

يرى باحثون في مركز "الاستشراف الاقليمي للمعلومات" ان القرار الايراني مهمٌ لانه ينبع من حقيقة وجود تنسيق امني ثنائي ناجح بين طهران وكلّ من الرياض وابوظبي تحديداً، خصوصاً ان زيارات متبادلة حصلت بين تلك العواصم تصبّ في ذات السياق الامني. ويمكن تصنيف هذا التعاون بأنه يشكل قاعدة الثقة بين هذه الدول، ويمهّد لفرض مساحات الآمان المشتركة ويؤسس لنجاح التعاون الاقتصادي والمصالحة السياسية.

وعلى هذا الاساس يُصبح الاستقرار الامني في تلك المساحات مصلحة مشتركة للايرانيين والخليجيين العرب، ويحتل الاولوية لبناء اقليم آمن، مما يفرض الانسجام مع التوجهات الاقليمية الجديدة.

وبيّنت المعطيات ان سوريا كانت اول الدول التي التزمت بهذا المسار الاقليمي الجديد ومنعت التهجم السياسي والاعلامي على الدول الخليجية، بما يعكس واقعية دمشق وتثبيت رؤيتها لواقع عربي-ايراني جديد قائم على المصالحة والتعاون والتنسيق المُثمر في كل اتجاه.