من الذي ينصح رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل باتخاذ مواقف تصعيدية لاهبة تترك ندوبا وآثارا سلبية على علاقته مع العديد من المكونات اللبنانية. آخر هذه المواقف، رفضه اعلان الإضراب الشامل تضامنا مع غزة. وهو اضراب دعت اليه هيئات عالمية ووطنية استنكارا للمذابح التي تحصل في القطاع بحق المدنيين.

وفي زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، أدلى الجميل بتصريحات جاء فيها ان تهديد إسرائيل لامن لبنان مرده استفزاز "ميليشيات" لبنانية لها، وهو يعني بطبيعة الحال "حزب الله". اي انه يصف اللبنانيين الذين يتصدّون لاعتداءات الجيش الصهيوني بالمستفزين، قالبا الأدوار بجعل الضحية جلادا وبالعكس.

وفي واشنطن على ما تقول المعلومات انه كان " ملكيا" اكثر من الملك في تفهّم الموقف الاميركي مما يحصل في فلسطين المحتلة. ويقول سياسي مخضرم أنه لو جرت حرب غزة في الفترة التي كان جدّه فيها على رأس الكتائب، لكان اتخذ موقفا مشرفا من الحرب فيها، لأنه كان يرفض الظلم اللاحق بالفلسطينيين، ولعل أبرز دليل على ذلك هو توجيهه مذكرة إلى وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر إلى لبنان في السبعينيات يؤكد فيها ان الظلم الذي اوقعته إسرائيل وتوقعه بالشعب الفلسطيني هو سبب عدم الاستقرار في الشرق الاوسط، وأن الحل يكون بدولة ديمقراطية في فلسطين من العرب المسلمين والمسيحيين واليهود، وأن تكون القدس مدينة مفتوحة لكل الديانات السماوية. وهذه المذكرة أعجبت ياسر عرفات ايّما اعجاب، فشكر رئيس الكتائب على مضمونها، وطلب اعتمادها بين الوثائق الرسمية لمنظمة التحرير.

ولو حدثت مجزرة غزة في عهد الرئيس الأسبق امين الجميل، لكان هو من بادر إلى الدعوة للتضامن والأطفال. وحتى الرئيس الراحل بشير الجميل، بحسب ما يقول بعض العارفين بخلفية تفكيره، انه لم يحمل السلاح في وجه الفلسطيني لرغبة منه في محاربته لو لم يحد عن البوصلة الحقيقية لنضاله، ويحرف الثورة عن مسارها، ويحاول أن يوجد دولة داخل الدولة. وهو لم يوصد باب التواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وبعض الوسطاء لا يزالون على قيد الحياة ويعرفون انّه لو كان حيَّا لما تأخر في إظهار تعاطفه وتضامنه مع معاناة اهل غزه.

وفي عودة الى لب الموضوع فان موقف سامي الجميل من التضامن اللبناني في غزّة لا يعبر عن رأي شرائح واسعة من المسيحيين لأنّه يفتقد إلى طبيعة الروح المسيحيّة الدائمة بالانحياز للمظلوم على الظالم، ويثير ريبة واستهجان الأكثرية الساحقة من المسلمين سنة، دروزا وشيعة.

فمن هو الذي ينصح رئيس الكتائب بهذه المواقف التي يغلب عليها الارتجال والانفعال، والعصبيّة والتعصّب، والتي تمعن في تشويه صورته، وتضعه على طرف نقيض من الاعتدال الذي اعتاد عليه آل الجميل في المنعطفات المصيرية. حتما انه لا يتلقى النصح الرشيد.