بَعدَ إستِشهادِ المَسيحِ في أورشَليمَ، بِتَآمُرِ السُلطَتَينِ الدينِيَّةِ (السَنهِدرينَ اليَهودِيِّ المُحتَلِّ) والسياسِيَّةِ (الإحتِلالِ الرومانِيِّ)، وَقيامَتِهِ، وَصُعودِهِ الى السَماءِ، وَحُلولِ الروحِ القُدُسِ على التَلاميذِ بِمَعِيَّةِ مَريَمَ، تَهالَكَ الإضطِهادُ بِحَقِّ المؤمِنينَ بِتَآمُرِ السُلطَتَينِ. فَتَشَتَّتَت أورشَليمُ.

مُعَذِّبوها لَجَأوا الى المِنعَةِ التي مِنَ التُرابِ مِهراقَةٌ الى الأٌلوهَةِ وَبِها. الى لبنانَ، المُتَجاوزِ تاريخَهُ وَحاضِرَهُ، جَسَدِيَّتَهُ وَروحَهُ، لِيَبقى دائِمَ الإنبِعاثِ مِن طَيَّاتِهِمِ حينَ تَتَقادَمُ الفواجِعُ.

هو لبنانُ، مِن مَنبِتِهِ الى أقاصِيَ الأرضِ يَجيءُ الى المَسفوكَةِ دِماؤهُمُ لِيُقيمَهُمُ في حَضرَةِ الأُلوهَةِ.

هو لبنانُ، الَّلاحَدَّ لَهُ، مُذ زارَهُ المَسيحُ لِعُرسٍ فإجتَرَحَ فيهِ أُولى آياتِهِ، لِيَنطَلِقَ مِنهُ وَقَد "آمَنَ بِهِ تَلاميذُهُ" (يوحنا 2/11) أنَّهُ إبنُ اللهِ، المَبذولُ لِلكُلِّ بِما فَوقَ فَوقَ الإحتِضانِ.

هو لبنانُ، مَنبِتُ الكَنيسَةِ الأُولى. أرضُها. سَماؤها.

قُلّ: لبنانُ-الحَقُّ. حَقُّ اللهِ على البَشَرِ وَحَقُّ البَشَرِ لِلَّلهِ، المُنقِذُ مِن مأساوِيَّةِ الصَلبِ وَجَدِّيَةِ الدَمِّ، بَصَرخَتِهِ: "لِمَ تَطلُبنَ الحَيَّ بَينَ الأَمواتِ"؟.

بَوحُ الحَياةِ

أوَنَنسى أنَّهُ آنَذاكَ كانَ إقليمَينِ: فينيقيَةُ البَحرِيَّةُ مِن عكَّا لِعَكَّارَ وَمَركَزِيَّتُها صورُ، والداخِلِيَّةُ مِن سَفحِهِ الغَربِيِّ وَبِقاعِهِ لِجِبالِهِ الشَرقِيَّةِ وَمَركَزِيَّتُها حِمصُ؟ أوَنَنسى أنَّ أبناءَهُ أظهَروا ثَباتَ إيمانِهِمِ حَدَّ دَهشَةِ بولُسَ والرُسُلَ الذينَ أقاموا في صورَ أُسقُفِيَّةً-مَرجَعاً لأَربَعَةَ عَشَرَ كُرسِيَّاً أُسقُفِيَّاً، وَمِن أساقِفَتِها كاسيانوسَ الحاضِرَ مَجمَعَ قَيصَرِيَّةِ فيليبُّسَ 190، وَزَينونَ الحاضِرَ مَجمَعَ القُسطَنطِينِيَّةِ الأوَّلَ 381؟ أوَنَنسى حينَ كانَ بولُسُ عائِداً إلى أورشَليمَ، إلحاحَ مؤمِني صورَ لِلعُدولِ عَن مَقصِدِهِ لأنَّ مُتآمِري السُلطَتَينِ يَنتَظِرونَهُ ليُميتوهُ، فَشَكَرَهُمُ وَبَقيَ مُصِرَّاً على عَزمِهِ فإنقادوا لإرادَتِهِ، وَقَبلَ أن يُغادِرَهُمُ جَثوا أمامَهُ طالِبينَ بَرَكَتَهُ وَصَلاتَهُ؟ أوَنَنسى المَجمَعَ المَسكونِيَّ الرابِعَ المُقَرِّرِ في جَلسَتِهِ الرابِعَةِ في 17 تِشرينَ الثانيَ 453، أنَّ أسقُفَ صورَ وَصيدا يُسَلِّمُ عَصا الرِعايَةِ لِلبَطرِيَركِ الإنطاكِيِّ؟ أوَنَنسى أنَّ بولُسَ زارَ أبناءَ صَيدا يَومَ قَذَفَتِ الريحُ سَفينَتَهُ إلى شَواطِئِها، فأقامَ فيها؟ أوَنَنسى أنَّ بُطرُسَ أسَّسَ أُسقُفِيَّةَ بَيروتَ وَوَلّى عَلَيها كَدراتوسَ أحَدَ السَبعينَ تِلميذاً، وَفيها إستُشهِدَ القِدِّيسُ يَهوَّذا المُلَقَّبُ بِتَدَّواسَ؟ أوَنَنسى أنَّ بَيروتَ مَسقِطُ رأسِ بِمفيلوسَ العالِمِ القِدِّيسِ الذي خَلَفَ أوريجانوسَ في إدارَةِ مَدرَسَةِ الإسكَندَرِيَّةِ، وأَسَّسَ مَكتَبَةَ قيَصَرِيِّةِ فيليبُّسَ وإستُشهِدَ سَنَةَ 308؟ أوَنَنسى أنَّ مِن شُهَداءِ بَيروتَ يوحَنَّا وأركاديوسَ القدِّيسانِ، وَمِن تَلامِذَةِ مَدرَسَتِها لِلحُقوقِ القِدِّيسانِ غريغوريوسُ وأثيندروسُ، وَمِن أساقِفَتِها غريغوريوسُ أحَدُ آباءِ المَجمَعِ النيقاوِيِّ وَتيموثاوسُ المُشارِكَينِ في مَجمَعِ القُسطَنطينِيَّة الأوَّلِ؟ أوَنَنسى أنَّ في بيبلوسَ أنشأ بُطرُسُ كَنيسَةً وَسَقَّفَ عَلَيها تِلميذَهُ يوحَنَّا-مَرقُسَ، وَمِمَّن خَلَفوهُ باسيليوسُ الحاضِرُ مَجمَعَ القُسطَنطينِيَّةِ الأوَّلِ، وَروفينوسُ الحاضِرُ المَجمَعَ الخَلقيدونِيَّ 451، وبِنالّوسُ الحاضِرُ مَجمَعَ أنطاكِيَة 445، وَتوادوسيوسُ الحاضِرُ المَجمَعَ المَسكونِيَّ الخامِسَ 553، وَمِن شُهَدائِها أكويلينا التي لَم تَتَجاوَز الثانِيَةَ عَشرَةَ مِن عُمرِها سَنَةَ 293؟ أوَنَنَسى البَترونَ (لِبَتريسَ) وَمِن أساقِفَتِها بورفيريوسُ الحاضِرُ المِجمَعَ المَسكونِيَّ الرابِعَ وأستِفانوسُ الحاضِرُ المَجمَعَ المَسكونِيَّ الخامِسَ، وَمِن شُهَدائِها القِدِّيسُ لوقيوسُ؟ أونَنسى طَرابُلُسَ التي سَكَنَها بُطرُسُ، وَمِن أساقِفَتِها هِلانيكوسُ وَثيودوروسُ، وَمِن شُهَدائِها مَغدِلتيوسُ وَلاوَنديوسُ الجُندِيُّ؟ أوَنَنسى بَعلَبَكُّ وَشَهيدَةُ إيمانِها بَربارَةُ؟...

هوَذا بَعضٌ مِن بَوحِ الحَياةِ لِلبنانَ-المِنعَةِ، لبنانَ-الكَنيسَةِ-الأولى، مِن ماهِيَّتِهِ لِآخِرِ المَطافاتِ الوجودِيَّةِ. في ذُروَتِها، لبنانُ-القُربانُ يُبادُ لِيَتَّحِدَ بِمَن هو القُربانُ الذي لا يُبادُ.

هو الوَحيدُ-الأَوحَدُ في وِحدَةِ ذَبيحَةِ المَسيحَ الكُبرى. يَلمُسُها. يَصيرُها. يَرفَعُها لِسَحاباتِ الشُهودِ.