مع بداية الحرب في الجنوب، في 8 تشرين الأول العام الماضي، عاش سكان الضاحية أجواء الحرب من جديد بعد 17 عاماً على انتهائها، فكانت كل التوقعات تُشير الى أن الحرب مع الاسرائيلي ستتوسع وتطال أبنية الضاحية وساكنيها، فخرج منها من خرج، واستأجر البيوت للحالات الطارئة من استأجر، وجهّز الحقائب التي تحتوي على الأغراض الضرورية والأساسية من حضّر.

حضر تشرين الأول الفائت وغاب، وبدأ شبح الحرب يبتعد عن المنطقة المذكورة شيئاً فشيئاً، فاعتاد سكانها ما يجري في الجنوب الى حدّ ما، ودارت عجلة الحياة، حتى اقترب السكان من حال اليقين بأنهم خارج المساحة الجغرافية للحرب مع العدو الاسرائيلي.

الثلاثاء الماضي، 2 كانون الثاني 2024 تبدّل كل شيء، عند الساعة الخامسة والـ40 دقيقة مساءً، سُمع دويّ في الضاحية الجنوبية، وشُوهدت أعمدة الدخان في سمائها، فعلم القريبون من الحدث بوقوع انفجار، ما تسبب بحالة هلع وضياع في المحال التجارية المحيطة، استمر لدقائق فترك بعض زبائن احدى السوبرماركت في المنطقة سياراتهم في موقفها وعادوا الى منازلهم، وعملت الدراجات النارية "تاكسي مجاني" لنقل المتحمّسين الى المشرفية.

هناك من ظنّ أن الرعد قويّ، فالقصف تزامن مع بدء هطول المطر، سقطت نظرية الرعد مع انتشار سجب الدخان في سماء المنطقة، فبدأت عندها فقرة التحليلات حول طبيعة الهدف، البداية من خرق طائرة اسرائيلية لجدار الصوت، والنهاية عمليّة اغتيال ضخمة نفذها الاسرائيلي بحق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري مع رفاق له.

كالنار في الهشيم كانت تصل الصور والفيديوهات والتحليلات الى هواتف اللبنانيين، ففي مكان الحادث تواجد مئات المراسلين الميدانيين، إن لم نقل الآلاف، غصّ بهم أوتوستراد الشهيد هادي نصرالله لمعاينة موقع العمليّة، وهو ما دفع بجهاز أمن حزب الله الى إطلاق النار في الهواء أكثر من مرّة لإبعاد المواطنين، خاصة بعد انتشار اخبار عن وجود صاروخ اسرائيلي لم ينفجر، أكد عدد من شهود العيان مشاهدته بالعين المجردة في موقع التفجير، حيث قالوا أن عناصر من الجيش كانت تُحيط به، دون أن يتم التأكد من صحة الخبر.

بينما كانت تتهافت الأخبار على الهواتف، وقبل التيقّن من طبيعة الحادث، ضجّت الضاحية بالازدحام، وشهدت شبكة الهاتف الخلوي بطئاً شديداً جراء الضغط عليها، وانطلقت مرحلة التحليل والتوقّع بعد التأكد من ضلوع اسرائيل بعملية اغتيال داخل الضاحية.

خلال هذه الحادثة يمكن تسجيل ملاحظات عديدة أبعد منها كحدث مهم، والبداية من تجمع المواطنين وتقاطرهم نحو موقع العمليّة رغم أن مواقع كهذه لا تكون آمنة اطلاقاً، فهناك خطر الانهيارات والانفجارات، وكذلك هناك أهمية للحفاظ على الموقع لأجل الأدلة الضرورية لفهم كل ما جرى، وهذا كله سقط في الضاحية الثلاثاء.

كذلك هناك مسألة تناقل الأخبار والصور، وما رافق الحادث كان مخيفاً لناحية حجم الأكاذيب والإشاعات ورمي الأسماء، هذا ما يؤثر على المتلقّين الذين يعيشون مرحلة توتّر كبير، يُضاف الى كل ذلك مسألة استثمار الحادث من قبل ضعيفي النفوس، عديمي الضمائر الذين استفادوا من كل ما يجري لتنفيذ سرقات في محال مجاورة للشقة المستهدفة.

فجأة تلاشى اليقين بأن تكون الضاحية خارج مساحة الحرب، خرج بعض السكان من المناطق الملاصقة لموقع الحادث من منازلهم، عادت حقائب الطوارئ الى صناديق السيارات، وصار الحديث حول موعد الخروج، وكيفية اندلاع الحرب.