أحيت فرقة التراث العربي بقيادة المؤلف الموسيقي، الناهج، الباحث، المخترع والعالمي هيّاف ياسين أمسية من التقاليد الموسيقية العربية داخل حرم الجامعة الأنطونية فرع مجدليا- زغرتا. أشعلت هذه الأمسية الأضواء وألهبت الحماس داخل المسرح الممتلئ بالفئات الاجتماعية، السياسية، الثقافية والدينية من خلال البرنامج الموسيقي وإحترافية الفرقة.

عزفت الفرقة عدة مقطوعات موسيقية لعامر الخدّاج، عمر البطش، صالح عبد الحي، وديع الصافي، زكي ناصيف ونجاح سلام. هذه المقطوعات ليست فقط أننا حفظناها كجمهور أو لعبناها كموسيقيين، إنما هي مياه نبع الجذور الموسيقية الذي يتدفق، فيُشبع الباحثين، يُعلّم الدارسين ويُمنهج المفكرين.

جذور الموسيقى هي أصالة البداية والإستمرار الأكاديمي الرفيع في الجامعة الأنطونية، لأن هذا مبني على أساس تاريخي بدأ من دير مار الياس إنطلياس مع الأب بولس الأشقر. كان هذا الأب يملك مخطوطات موسيقية قديمة العهد شرقية وغربية متنوعة لم يقتنها أحد، وقد علّم الأخوين رحباني عاصي ومنصور أصول الموسيقى. أيضا مع الأب يوسف واكد رحمه الله، عندما أسس المعهد الموسيقي عام 1981 وقد كان متأصلا ومتجذرا في الموسيقى الغربية، ونذكر من تلاميذه قائد الأوركسترا الفيلهارمونية ألأب توفيق معتوق الأنطوني.

للجامعة الأنطونية خُلقت في الجذور ولا تستطيع رؤية نفسها خارج هذا النطاق كخروج السمك من البحر، وهذا يُثقل كاهل الرهبنة بشكل عام والجامعة بشكل خاص بالحفاظ على هذا النهج.

للمحافظة على الخميرة النخبوية في هذه المسيرة الطويلة والحافلة، فالأنطونية تسعى دوما ً لإمتلاك النُخب من أجل توليد النُخب. لا تعلّم، لا تطوّر، لا إبداع ، لا إكتشاف ولا إختراع من دون العودة إلى الأصول الموسيقية والأساسات الهارمونية، لأنها حقول شاسعة وواسعة لا يستطيع أحد معرفة حدودها ،اكتشاف باطنها واقتنائها بشكل كامل.

هذه الذهنية التي انغمست فيها الجامعة الأنطونية عبر الأجيال، مكّنتها من إستحواذ شمولية الفكر الموسيقي الرصين والذي يخلق أرقى السبل والمناهج لتوطيد العلم الموسيقي وصقل المواهب. فلا ريب ولا عجب أن تقتني الجامعة صخرةً موسيقية مشرقية كالدكتور هيّاف ياسين- رئيس قسم الموسيقى الشرقية في الجامعة الأنطونية- لتبني عليها أجيال المستقبل الواعية والمنفتحة. فمزاياه، تفكيره وإبداعاته تتلائم مع المطلوب الأنطوني وهدفه المنشود.

فأي مولود جديد من رحم قسم الموسيقى في الجامعة الأنطونية، يحمل خمير الجذور الذي يعجن ذهنيته طيلة مسيرته. فهو باحث دؤوب مجبول بالتطبيق، الوعي والإنفتاح المستمر. فها هو يطوّر منهجيات موجودة أو يخلق أخرى لا وجود لها.