ممنوع على اسرائيل ان يتم محاصرتها. هذا باختصار ما يجب ان نخلص اليه من عبرة، بعد الاحداث التي شهدناها ونشاهدها في غزة والضفة الغربية وعلى الحدود اللبنانية وسوريا. وبعد التدخل اليمني الذي نجح في ارساء خطورة كبيرة على حركة السفن، كان البديل الفوري، وفق المعلومات التي توافرت وتم نشرها، ان الامارات كانت ابرز البدلاء لتأمين خطّ مسار آخر يكفل وصول المواد الى اسرائيل، فضلاً عن اليونان، فيتم كسر الحصار غير المكتمل اصلاً، بسرعة وفاعلية ومن دون عناء كبير. من هنا، تبرز اكثر فأكثر "استماتة" الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل في التطبيع مع الدول العربيّة، والتي كسرت "التابو" الذي كان قائماً منذ عقود من الزمن حول ارساء علاقات مع اسرائيل قبل حلّ القضية الفلسطينية واسس الصراع العربي-الاسرائيلي. ولكن، الكيل بمكيالين لا يساعد على تحقيق السلام، فالفلسطينيون محاصرون، وعلى الرغم من كل الكلام الاقليمي والدولي وحتى الاممي عن ضرورة فك هذا الحصار وتأمين المواد الغذائية والصحية الاساسية منعاً لانتشار المجاعة او تفشي الامراض، لم تبرز الحلول السحرية لا من قبّعة الاميركي، ولا من قبّعة العرب، ولا من قبّعة الامم المتحدة، فيما وُضعت الحلول على الطاولة بعد ايام قليلة فقط، حين تعلّق الامر باسرائيل. والاكثر ايلاماً هو ان العرب انفسهم شكّلوا احد مفاتيح الحلول، ليس في سبيل الانسانية انما كرمى لعيون الحليف الاميركي ومراعاة لـ"الصديق" الجديد، فيما وقفوا متخاذلين او مشاركين امام الحصار الذي تعرضت له دول عربية في السابق ومنها لبنان وقطر واليمن وسوريا...

صحيح انه لا يمكن ان نشمل الجميع في اي قرار يتم اتخاذه، ولكن لو اتفق كل العرب في اتخاذ موقف المقاطعة لاسرائيل على كل الصعد الى حين انهاء افظع جريمة ترتكب في حق البشرية والانسانية في التاريخ الحديث، هل كانت اسرائيل تسرح وتمرح في سماء غزة وترتكب الاهوال بحق الفلسطينيين، وتمدّ يدها الارهابية على الدول المجاورة؟ ومن المؤسف القول ان اسرائيل تنجح مجدداً في احداث شرخ عميق في الصف العربي (المتزعزع اصلاً)، فتختار من تعتبره "ارهابياً"، وترضى عمّن تراه "صديقاً"، متسلّحة بدعم "الشقيق الاكبر" اي الولايات المتحدة الاميركية. واليوم اتت القرعة على قطر التي اتّهمها المسؤولون الاسرائيليّون بالارهاب، ولكن لحسن حظ هذه الدولة الخليجيّة انها تحظى برعاية اميركيّة مميزة، ظهرت بوضوح ابّان الازمة الخليجية التي اندلعت عام 2017، حيث تمكنت هذه الامارة الصغيرة من الصمود لسنوات في وجه حصار من جيرانها القريبين قبل ان تعود المياه الى مجاريها.

من المؤكد ان الهجمة الاسرائيلية على قطر لن تؤتي ثمارها، ولكن السبب يعود الى شبكة الامان التي وفّرتها الدوحة لنفسها، وليس لاي سبب آخر، اي بمعنى اوضح، فإن ما تتمتع به قطر من امكانات ومميزات واغراءات للغرب، لا يسري على غيرها من الدول، وبالاخص العربيّة منها. ولكن التعامل المزدوج للدول الخليجية مع اسرائيل من شأنه ان يزرع بذور فتنة قد لا تنضج حالياً، ولكنها من دون شك ستبقى تحت الرماد لتطل برأسها من جديد في الوقت المطلوب، الا في حال استكمال التطبيع، وهو ما يتم العمل عليه بجدّ ونشاط، فور التخلص من رئيس الحكومة الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو ووزرائه.

ساهم العرب في كسر الحصار على اسرائيل، فمتى يساهمون ويدعمون ويعملون لكسر الحصار على اشقائهم في الدول الاخرى، ومتى سيعون انّ مصلحتهم هي في وحدتهم وليس في تشرذمهم؟ على الارجح لن يتم هذا الامر، وذلك بضمانة اميركيّة ودوليّة، والافضل ان نعتاد على مواقف من هنا وهناك وفق المتغيّرات والتطورات.