تستمر الحرب الإسرائيلية على الجنوب اللبناني ويستمر معها مسلسل النزوح الذي قارب 100 ألف نازح من القرى الجنوبية الحدودية تجاه المناطق الداخلية الأكثر أمنا، حيث مراكز الإيواء التي تهيّأت لاستقبالهم، وكذلك بيوت المواطنين التي فتحت أبوابها لهم، إلى حين انقضاء هذه الحرب.

لكن هذا النزوح طال أمده، وقد تصادف مع ضائقة اقتصادية كبيرة، لا زال اللبنانيون يعيشون تداعياتها التي بدأت في أواخر عام 2019، والتي لم يخرج منها لبنان حتى اليوم، وهي تعد من أصعب الأزمات النقدية والاقتصادية منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، وهذا ما رتّب على النازحين الجنوبيين خلال هذه الحرب أعباءً مالية كبيرة، خاصة أن معظمهم فقد مصدر رزقه نتيجة نزوحهم عن بلداتهم حيث مراكز عملهم ومصالحهم الاقتصادية.

البلديات واتحادات البلديات في الجنوب والتي عملت على إعداد خطط الإغاثة وتنفيذها بشكل دقيق رغم ميزانياتها شبه المعدومة، اعتمدت في الكثير من الأحيان على الجمعيات اللبنانية والدولية والمتمولين والمغتربين، والتي تقدم المواد العينية والمستلزمات الضرورية لهؤلاء النازحين، لكن ماذا قدّمت الدولة من خلال وزارتها لهم؟.

انتظر الجنوبيون النازحون وغير النازحين من وزارات الدولة تقديم المساعدات لهم نتيجة تضرر مصالحم وخسارتهم لأرزاقهم، فأتت النتيجة مخيّبة للآمال فقد أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية عن مساعداتها والتي وصفها الكثيرون بغير المنصفة والمخزية، فقد أعلن وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجّار أن وحدة الإدارة المركزية في رئاسة مجلس الوزراء هي المسؤولة عن التقييم الممكن للفقر لدى العائلات التي تتم زيارتها عبر برنامج أمان والبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا (بطاقة الشؤون)، وليس وزارة الشؤون الإجتماعية.

ودعا حجّار "المجتمع الدولي إلى النظر بجدية أكبر للوضع في جنوب لبنان"، وقال: "إننا فعلا في حالة حرب بوجود أكثر من 100 ألف نازح خارج قراهم ومنازله.

أما فيما خص البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا (بطاقة الشؤون)، فسيخفّض التمويل من قبل الدول المانحة، والمبلغ الذي تم تأمينه هو 33.3 مليون دولار فقط بينما المبلغ الذي تحتاجه الوزارة لتأمين المساعدة لـ 75,000 أسرة هو 150 مليون دولار خلال العام 2024".

فلهذا لجأت الوزارة إلى تعديل تقديماتها فعلى سبيل المثال ستعطى العائلة المؤلّفة من 6 أفراد والتي كانت تحصل على 145 دولارا شهريا، ستحصل الآن على 140 دولارا كل شهرين.

الوزير حجار دعا خلال المرحلة المقبلة، الحكومة اللبنانية لأن تواجه هذا الواقع الصعب بجدية ولأن تتخذ القرار بإجراء حركة مكوكية تجاه الدول المانحة، القريب منها والبعيد، بهدف تأمين التمويل اللازم لهذا البرنامج خلال الـ6 أشهر المقبلة، وقال: وكنت أتمنى ألا أضطر لإعلان هذه التفاصيل للشعب اللبناني، ولكن هذا هو الواقع.

هذه الأرقام كفيلة بكشف عجز الدولة، فهل يعقل أن تعيش عائلة من ستة أفراد بـ70$ شهريًّا؟. فنحن هنا أمام واقع صعب وعجز واضح لدى أجهزة الدولة اللبنانية في تقديم المساعدات للنازحين الجنوبيين، فهنا لا يمكن الحديث عمّن هم أكثر فقرا ، فمعظم النازحين اليوم بحاجة إلى الدعم اللازم فهم بلا أيّ مصدر رزق، بعد أن أُبعدوا عنه نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على قراهم وبلداتهم، وبعد أن تعمّدت آلة الحرب تدمير المرافق الاقتصادية لتهجير الناس إلى غير رجعة وفق ما يخطّط له الاحتلال، ومن هنا ينبغي على الدولة دعم هؤلاء النازحين وعائلاتهم عبر الاستعانة بالدول الصديقة والصناديق الدولية وعدم تقاذف الصلاحيات، لأن واقع النازحين لا يحتمل مزيدا من المماطلة، على أمل أن تنتهي الحرب ويعودوا إلى ديارهم، ليعيدوا الحياة إلى مؤسساتهم وقراهم.