كلما امتد أمد الحرب الإسرائيلية على لبنان، ظهرت النوايا المبيّتة لدى إسرائيل، فمنذ اللحظة الأولى للحرب التي اندلعت عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الاول من العام الماضي، والتي أدت إلى اشتعال الجبهة مع لبنان بعد اشتعال جبهة غزّة، عمدت الطائرات الإسرائيلية إلى قصف المرافق الحيوية في الجنوب اللبناني، بهدف إلحاق الأذى بالمواطنين اللبنانيين وضرب مصادر أرزاقهم.

هذا الأمر ليس غائبا عن بال المواطنين ولا حتى المسؤولين في الدولة اللبنانية، فالذي يحصل اليوم ليس بالأمر المفاجئ، فبعد أيام قليلة على اندلاع الحرب، وبتاريخ 31 تشرين الأول 2023 قال وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية جورج بوشكيان في حديث إذاعي، أنّه "في حال اندلعت الحرب على لبنان، فمن المحتمل قصف المصانع، ومعامل الكهرباء وشركات التأمين"، وأضاف: يمكن أن نواجه حصاراً بحريّاً وجويّاً وتقصف الجسور، ممّا سيعيق تنقّل العمّال".

منذ أن بدأت المعارك في الجنوب، بدأت الطائرات الإسرائيلية بقصف المرافق الحيوية فيه، وبطريقة ممنهجة قُصفت الآبار الارتوازية في عدة بلدات، وكذلك مشاريع الطاقة الشمسية المرافقة لها والمسؤولة عن ضخ المياه إلى القرى، وكذلك قصف محطات الضخ الأساسية كمحطة مياه الوزاني التي تغذي أكثر من 70 بلدة والتي تضررت بشكل كبير، وقد فرض الجيش الإسرائيلي طوقا ناريا حولها لمنع فرق الصيانة من الوصول إليها وإصلاحها، وكل هذا بهدف قطع مصادر المياه عن الأحياء السكنية وجعل وصولها إلى السكان أمرا مستحيلا، وبالتالي استحالة العودة إلى المنازل دون مصدر للمياه.

أما الإجراء الآخر فهو ضرب مزارع الأبقار والمواشي والدواجن والتي تعتبر أحد أهم المرافق الحيوية التي تعتاش منها مئات العائلات، وهي العنصر المهم في بقاء الجنوبيين في أرضهم، فدمّرت عشرات المزارع ومنع العديد من القيمين عليها من الوصول إليها بفعل القصف المدفعي والصاروخي، فنفقت الآلاف من طيور الدجاج بسبب الجوع والعطش أو بسبب القصف المتعمد للمزارع.

عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية معملا للألومنيوم في 18 تشرين الاول 2023 في منطقة تول-النبطية، اعتبر البعض أنه أمر عابر، ولكن عندما تمادى القصف الإسرائيلي ليطال العديد من الورش الصناعية ومصانع المواد الأولية وكان آخرها القصف الذي تعرض له معمل للزيوت والبطاريات في منطقة الغازية، والذي أدى إلى احتراقه بالكامل، وكذلك معملا لصناعة الحجارة والمواد الإسمنتية في المنطقة عينها، هنا بدأ الحديث عن تعمّد إسرائيل ضرب هذه المنشآت لإلحاق الأذى الاقتصادي باللبنانيين، وتدمير كل الامكانات لإعادة الإعمار ومن ثم العودة.

بالمحصّلة يمكن القول بأن هذه الحرب التي تشنها إسرائيل على الجنوب اللبناني ليست حربا عسكريّة فقط، وإنما حربا اقتصادية أيضا، تسعى إسرائيل من خلالها إلى ضرب كل المرافق الحيوية ومقومات العيش لدى الجنوبيين الّذين سعوا طوال العقدين الماضيين إلى تأسيسها، أو التي قامت الدولة اللبنانية ببنائها لتثبيتهم في قراهم وبلداتهم وخاصة الحدودية منها، فهم عانوا من الاحتلال لسنوات طويلة حتى تحرير منطقة الشريط الحدودي عام 2000 من الاحتلال الإسرائيلي.

ومن هنا يمكن التأكيد بأن هذه الحرب إذا ما استمرت فإنّ الإسرائيلي سيعمل جاهدا على ضرب كل المرافق الاقتصاديّة في الجنوب اللبناني، فهدفه الأول والأخير إبعاد الجنوبيين عن بلداتهم ومنع عودتهم إليها، بعد تدميره لمصالهم الاقتصادية وتدمير المرافق التي كانت تشكل عماد النهضة العمرانية في الجنوب.