اعتبر رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "ذكرى 14 آذار هي إثبات تاريخي على قدرة الشعب اللبناني على الاجتماع حول قضايا وطنية، إذ حضرت غالبية المكونات وعدد كبير من الأحزاب السياسية، كرسالة واضحة أن الجزء الأكبر من اللبنانيين متفق على سيادة الدولة ونهائية الكيان"، معتبراً أن "ما حصل حينها هو إنجاز تاريخي، إذ احتشد اللبنانيون في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد".

ورأى أن "​سياسة​ تدوير الزوايا مع رموز الاحتلال السوري الذين بقوا متشبثين بإبقاء الجيش السوري في لبنان، وصولاً إلى التنازلات السياسية وتحييد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود عن المواجهة، ومن التحالف الرباعي في الانتخابات الأولى التي تلت الانسحاب السوري في 26 نيسان 2006، بين "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" مع "حزب الله" و"حركة أمل"، ولاحقاً انسحاب كتلة "الاشتراكي" من التحالف عقب انتخابات 2009 النيابية وانضمامه في ما بعد إلى حكومة "اللون الواحد" التي ألفها حينها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كل هذه التطورات أدت تدريجاً إلى إضعاف وتفكك تحالف "14 آذار" وإفراغه من جوهره، وصولاً إلى الضربة القاضية بالتسوية الرئاسية التي حصلت بين معظم القوى السياسية عام 2016 التي بموجبها انتخب ميشال عون رئيساً للبلاد".

وذكر الجميّل أن "الخطيئة الكبرى تكمن في التضحية بالمعارضة الشيعية عند إبرام التحالف الرباعي، إذ همّش دورها كاملًا"، ولفت إلى أن "مجموعة المعارض حبيب صادق ورفاقه كانوا يشكلون وزناً كبيراً، إذ حصدوا حوالى 70 ألف صوت في مناطق الجنوب، ولو احتضنوا لكانت اليوم معارضة واسعة وفعالة وكسرت هيمنة الثنائي على الطائفة الشيعية"، مشدداً على أنه "لو حظيت تلك المعارضة بالاحتضان الصحيح لكانت اليوم تشكل نسبة من مقاعد الطائفة الشيعية في مجلس النواب وكسرت قدرة الثنائي على تعطيل العملية السياسية في البلاد".

وقال: "صحيح أن هناك أخطاء عدة ارتكبها أركان هذا التحالف، إلا أن العوامل المحيطة كانت قاسية ومكلفة إلى جانب الضغط النفسي والأمني. في عام 2006 تسبب حزب الله بحرب مدمرة مع إسرائيل، ثم انتقل إلى محاصرة السرايا الحكومية في وسط بيروت لمواجهة الحكومة التي انسحب منها حينها، ولاحقاً احتل العاصمة في السابع من أيار 2008، تزامناً مع سلسلة اغتيالات سياسية طاولت قيادات وأركاناً أساسية من التحالف، في ظل تعطيل عمل المؤسسات الشرعية على رأسها المجلس النيابي".

وبالنسبة إلى ثورة 17 تشرين الأول 2019، أشار إلى أنّ "تلك الثورة التي خرجت من رحم معاناة الشعب ضد سلطة نهبت ثرواته وقوّضت سيادة البلاد، كانت ثورة محقة وتحظى أيضاً بإجماع شعبي يضم جميع الفئات الاجتماعية، إلا أنها تعرضت للوحشية والاعتداءات من تحالف "المافيا والميليشيات"، الذين تصدوا بكل الأدوات المتاحة".

وقال الجميّل: "لو كنّا في بلد طبيعي حصلت داخله ثورة مماثلة على الفساد والأداء السيء لكانت نجحت وحققت أهدافها"، لافتاً الى أن من يحمي "المنظومة الحاكمة هو حزب الله الذي استخدم العنف والتظاهرات المضادة والاعتداء على المتظاهرين وتهديدهم باستعمال السلاح وافتعال مشكلات طائفية"، معتبرًا أن "الحزب مستعد لضرب أي ثورة تهدد المنظومة لأنها واجهة سياسية يتحكم بها وتؤمن له الحماية والسيطرة على الدولة".

وبالنسبة إلى الملف الاقتصادي، أوضح أنه "لا يمكن معالجة الأمور الاقتصادية والقضاء على الفساد في ظل سيطرة حزب الله وسلاحه على القرار في البلاد"، مشددا على "وجود تحالف وثيق بين المافيا والميليشيات، إذ تحمي الميليشيات بسلاحها المافيا، التي تغطي بدورها الميليشيات، متخوفًا من أن تصبح لاحقًا الدولة وأجهزتها أدوات للحزب يستخدمها لتقمع اللبنانيين كما كانت في سنوات وجود الجيش السوري في لبنان".

واعتبر أن" تغيير الواقع يبدأ بوضع خريطة طريق لتحالف معارض عريض يتجاوز المعارضة البرلمانية، ويضم شخصيات سياسية وقادة رأي وناشطين وصحافيين يتوافقون على رؤية مشتركة لمستقبل البلاد"، ورأى أن "الهدف الأساسي من تلك الجبهة خلق التوازن في وجه حزب الله لتغيير هذا الواقع، وذلك عبر إعادة علاقات لبنان مع المجتمع الدولي واستعادة الدولة"، مشدداً على أن "قيام هذه الجبهة يتطلب من جميع الفرقاء التخلي عن الأنانيات والمصالح السلطوية".

وفي ما يتعلق بإمكان تغيير الواقع عبر انتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بمواصفات صلاحية وسيادة بدل إنشاء جبهة سياسية، أشار إلى أن "حزب الله يجهض كل المحاولات منذ عام ونصف العام، ولا سيما أنه متحكم بورقة التعطيل من خلال الثلث المعطل في البرلمان"، وقال: "في منطق الحزب هو من يختار الرئيس للبنانيين أو يمنع الانتخاب. إن المعارضة قامت بجهد كبير لمنع الحزب من إيصال مرشحه إلى الرئاسة، وحتى الآن ما زالت القوى السياسية نفسها التي تقاطعت على انتخاب المرشح جهاد أزعور على موقفها. إن المعارضة أبدت مرونة بانسحاب مرشحها النائب ميشال معوض لصالح مرشح يحظى بتأييد أوسع، في حين ما زال "الثنائي الشيعي" متمسكاً بالخيار الأول سليمان فرنجيه ولا يبدي أي انفتاح تجاه الآخرين".

ووصف الجميّل تعطيل انتخاب رئيس للبلاد والإصرار على تسيير شؤون الدولة عبر حكومة تصريف أعمال "تخطياً فاضحاً للدستور والقوانين وتهميشاً لدور المسيحيين واختصاراً للطائفة السنية، وبالانقلاب الموصوف على الدولة، إذ تم تعطيل العملية الديموقراطية والدستور ومنع إعادة انبثاق السلطة". وأكد "ضرورة مواجهة الانقلاب الذي يقوم به الحزب، بتوحيد الجهود وخلق جبهة عريضة تواجهه وتخلق معادلة جديدة تضعه أمام خيار القبول بالشراكة الوطنية أو الانفصال"، مشيراً إلى أن "الديموقراطية كانت تقتضي أن يذهب كل فريق بمرشحه إلى المجلس النيابي ويفوز من يأخذ أكثرية الأصوات، إلا أن ما وصلنا إليه محاولة ديكتاتورية من الحزب لفرض رئيس على بقية اللبنانيين، لهذا السبب لسنا بصدد انتخابات، إنما بصدد مواجهة سياسية كبيرة لتحديد هوية لبنان".

وناشد الجميّل "الدول العربية الوقوف إلى جانب لبنان وتأمين مظلة حماية عربية ودولية"، معتبرًا أن "لبنان دولة مخطوفة يجب تحريرها"، وقال: "صحيح أن الجهد الأكبر على عاتق اللبنانيين لكن هناك غياباً للتوازن في ظل حضور إيران عبر الحزب"، مشيراً إلى أن "واقعية الأمور تستوجب أن يكون هناك دور للمجتمع الدولي والعربي بمساعدة الشعب اللبناني لتحريره عبر الضغط على إيران".

ولفت إلى أن "طهران تبعث مختلف أنواع الأسلحة والأموال والدعم الإقليمي لمساعدة حزب الله بالسيطرة على البلاد، فيما اللبنانيون وحدهم لا يستطيعون مواجهة الحزب المرتبط بإيران، الذي جعل من المسألة اللبنانية مسألة دولية وإقليمية، والقضية لم تعد شأناً إقليمياً داخلياً، ولا سيما أن حزب الله أسهم في تقويض استقرار الدول العربية".