لطالما أثارت مسألة الأملاك العامة البحريّة لغطاً كبيراً لناحية المردود الضئيل الذي تؤمّنه للدولة، ولا يخفى على أحد أن شاغلي الأملاك العامة البحرية يستفيدون كثيراً من هذا الاستثمار، على عكس الدولة التي تتكبّد خسائر طائلة.

عوّل كُثر على أن تصيب اسهم الموازنة هذا القطاع، فتستطيع الدولة أن تستعيد حقّها منه. كيف؟ بكل بساطة، عبر رفع التخمين. ولكن كانت المفاجأة ان الموازنة التي عُلّقت عليها الآمال، تضمّنت ضرائب ورسوماً جديدة أُلقيت على كاهل الشعب اللبناني المثقل اصلاً بالأعباء والمشاكل، وهو بالكاد يستطيع أن يكفي حاجاته اليومية. في المقابل، نجح المسؤولون في ابقاء شاغلي الاملاك البحرية خارج حسابات الدفع، بينما يشكّل هؤلاء مصدراً مالياً مهماً كونهم من أصحاب الثروات وبإمكانهم دفع الرسوم بسهولة. بمعنى آخر، وجد المسؤولون طريقة لتمويل الدولة ولكن من جيب الفقراء، لا الاغنياء.

يشكو صاحب أحد المؤسسات على الاملاك العامة البحريّة أن الرسوم الواجب عليه دفعها للدولة بلغت حوالي المليون و200 ألف دولار. عندما يسمع المرء هذا الرقم الضخم، يصاب بالصدمة والرعب، ولكن عندما يظهر أن نسبة الإشغال هي حوالي 50 ألف متر مربع، عندها فقط يستدرك السامع أن التكلفة ليست مرتفعة نسبةً للمساحة التي يشغلها.

في وضعنا الحالي، إذا أردنا التحدث عن مساحة الاشغال النهائية على الاملاك العامة البحرية، يجب الانتظار الى حين الانتهاء من المسح الذي يقوم به الجيش اللبناني على طول الشاطئ. هذا ما تؤكده مصادر وزارة الاشغال لـ"النشرة"، وهو ما يشير اليه أيضاً الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، الذي يلفت الى أن "التقديرات تفيد بأن المساحة تصل الى 5 ملايين ونصف المليون متر مربّع، تؤمّن راهناً مداخيل للدولة تصل الى حدود 40 مليون دولار، بينما المفترض أن تُدخل الى خزينة الدولة ما لا يقل عن 240 مليون دولار"... فميف يشرح هذا الفارق الكبير؟

يقول شمس الدين: "لنأخذ مثلا منطقة الرملة البيضاء، هناك يتمّ تخمين المتر المربع بـ5000 دولار، بينما يبلغ سعر المتر هناك حوالي 15000 ألف دولار، اي ثلاثة اضعاف". وهنا يلفت في حديثه لـ"النشرة"، الى أن "الأمثلة كهذه كثيرة، وأعلى مبلغ تخمين هو في الرملة البيضاء، يأتي بعده العريضة حيث المتر بـ26 دولاراً فقط. وفي عملية حسابية بسيطة، يتبيّن انه إذا كان لدينا 1000 متر مربع = 26 x 1000/100x 0.7= 182".

يشدّد شمس الدين على أنه "يجب إعادة التخمين من جديد ووقف السعر الرائج، اليوم يدفع شاغلو الاملاك البحرية 0.5% فقط، ولكن الحقيقة هي انه يجب عليهم دفع 5% إذا كنا نريد أن نخمّن على السعر الواقعي"، مؤكداً في نفس الوقت أنه "لا يجب أن يتمّ منع الناس من ارتياد الشاطئ، فيما يجب منع استثماره لاغراض خاصة".

حقيقة الوضع أن الضرائب والرسوم التي وضعت على الاملاك العامة البحرية هي قليلة لناحية الضرائب التي وضعت على المواطنين، خصوصاً وأن قيمة الثروة العامة على الاملاك العامة البحرية كبيرة ويجب إستثمارها لإدخال الأموال الى خزينة الدولة عوضاً عن تحميل الأعباء للمواطنين. وعليه، لا بد للمسؤولين من اعادة الحسابات والتفكير بالطرق الكفيلة بالتخفيف عن المواطن، والتوجه الى شاغلي الاملاك البحرية لتحصيل المبالغ المعقولة والمنطقية الاقرب الى الواقع الحالي، بدل التعاطي معهم وكأنهم من المحظيين أو غير القادرين على الدفع، وكثيرون يرون انه حان الوقت لقلب الامور وان تحصل الدولة على الهدايا منهم، بعد ان حصلوا على مرّ السنوات، على هدايا ثمينة من الدولة كما اظهرت العمليات الحسابية.