احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بقداس عيد الفصح في كاتدرائية سيدة النجاة – زحلة، بمشاركة النائب الأسقفي العام الأرشمندريت نقولا حكيم والأب ايلياس ابراهيم وحضور عضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب، نقيب أطباء لبنان في بيروت البروفسور يوسف بخاش، المهندس ربيع عاصي وعقيلته وجمهور المؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، كانت للمطران ابراهيم عظة تلا فيها رسالة الفصح لهذا العام وجاء فيها: "المسيحُ قامَ. حقًّا قامَ! في لبنان الفائق الجمال وقلبه البقاعي: زحلة، نحتفل اليوم بعيد الفصح، الذي يتزامن مع قدوم الربيع، بمشاعر مليئة بالحياة الجديدة. فبينما نبدأ في التخلص من معاطفنا الشتوية، يطول النهار، وتصبح الشمس أكثر إشراقا، وتُفيض الحياة مع الأشجار التي تتفتح والنباتات التي تبدأ في النمو في عُرسِ ألوانٍ بهية. ولكن ما هي الحياة الجديدة التي تملأنا بفرح الفصح؟ في الواقع، إنها حياة جديدة متجذرة بعمقٍ في تجربتنا للمصالحة مع الله من خلال موت وقيامة المسيح. تمت إزالة كل ما كان يفصلنا عن الله وتم تدميره، ومن خلال هذه المصالحة، حصلنا على التحرير من ظلمات الخطيئة والموت. نعم، نحن محررون وقادرون على الانغماس في عِناق محبة الله والانسان ورفض ما يجعلنا عبيدًا للخطيئة".

واضاف: "لكن الحياة الجديدة في عيد الفصح تطلب المزيد منا. يذكرنا الفصح بأننا، بينما نحتفل بمصالحتنا مع الله، نُدعى لأن نتصالح مع إخوتنا وأخواتنا، في عائلاتنا، وكنائسنا، ومجتمعاتنا، وفي العالم. نُدعى لنشارِك فرحتنا في الفصح من خلال إقامة السلام مع الآخرين. هنا استذكر قولاً للبابا فرنسيس في عظته لسكان فيلافيسنسيو في كولومبيا: "كلَّ جُهد للسلام دون التزامٍ صادقٍ بالمصالحة محكومٌ عليه دائمًا بالفشل."

وتابع: " السلام، هذه الكلمة البسيطة تحمل في طياتها عمقًا لا يُضاهى. إنها ليست مجرد كلمة ترددها الأفواه، بل هي روح الحياة، ونبراس الأمل في عالم مليء بالصراعات والتحديات. " سَلاماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. فَلا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ، وَلا تَرْتَعِبْ. " (يوحنا 27:14). عطية السلام تنبع من "أمير السلام" الذي يقول إشعياء في نبوءته عنه: "لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً مُشِيراً إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إشعياء 9: 6). اليس هذا ما رنمناه طوال فترة الصوم المقدس؟ المسيح بررنا بموته وقيامته كما يشرح لنا القديس بولس بقوله: " فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ "، (رومية 1:5) الذي بسبب تقدمة ذاته على الصليب للموت أُعطي لنا أن نسترد سلامنا مع الله".

أضاف: "في زمننا الحالي وفي حياتنا اليومية وعلاقاتنا الانسانية، يبدو السلام أحيانًا أمرًا بعيدَ المنال، لكنه ليس مستحيلاً. يبدأ السلام من الداخل، من تلك اللحظة التي نقرر فيها أن نكون مصدر سلام لأنفسنا ولمن حولنا كما كان المسيح لنا. يبدأ من خلال تقدير الآخرين واحترامهم، ومن خلال فهم الاختلافات والتعايش بها بسلام".

وأردف: " السلام هو أكثر من مجرد غياب للحروب والنزاعات والانقسامات والخلافات. إنه حالة من الهدوء الداخلي والتوازن، حيث تتلاقى القلوب بمشاعر المحبة والتسامح والتعاون. إنها حالة تمنح الإنسان الراحة والسكينة في عالم مضطرب. إن السلام يحتاج إلى جهود مستمرة وإرادة صادقة للبناء والتعاون. يتطلب التسامح والمسامحة، والاستماع بصدق وفهم، والعمل المشترك نحو تحقيق أهداف مشتركة. فلنكن جميعًا روادًا في بناء جسور السلام، ولنجعل من الحوار والتعاون سبيلنا لتحقيقه. لِنسعَ جاهدين لنشر بذور السلام في كل مكان نذهب إليه، ولنعمل معًا بإخلاص وعزيمة لتحقيق عالم يسوده السلام والتسامح والمحبة. فالسلام ليس مجرد حلم، بل هو واقع يمكن تحقيقه إذا أردنا بصدق وجهد أن نجعله جزءًا من حياتنا اليومية".

وقال: "نحن نعيش في عالم مليء بالانقسامات، وفي كثير من الأحيان نَميلُ إلى التقليل من شأن "الآخر" وتكوين الشكوك حول "الغريب". نُدعى للاعتراف بإنسانيتنا المشتركة، والاعتراف بأننا جميعًا إخوة وأخوات خلقوا على صورة الله. بمجرد أن نتصالح مع الله من خلال موت وقيامة المسيح، نُدعى للسعي نحو المصالحة مع الآخرين. السلام بيننا سيكون علامة على الفرح الحقيقي".

وتابع: "كي نكون فصحيين علينا أن نعشق السلام ونستلهم "أمير السلام" ونصافح بعضُنا بعضا بفرح، ونرنم مع الكنيسة جمعاء: "هذا هُو اليومُ الذي صنعَهُ الربّ، فلنبتهجْ ونفرحْ به ...قد أَشرَقَ لَنا فِصْحٌ مُطْربٌ، فِصْحٌ هو فِصحُ الرَّبّ، فِصْحٌ كاملُ الوَقار. فلنصافحٌ فيهِ بعضُنا بعضاً بفرَحٍ. فيا لهُ فِصحاً مُعتِقاً من الحُزن! لأَنَّ المسيحَ، بإشراقِهِ اليومَ من القبرِ كمِن خِدرٍ، ملأَ النِّسوةَ فَرحاً بقَولِهِ: بشِّرنَ الرُّسلَ بذلك".

وختم المطران ابراهيم: "فلنرفع هذه الصلاة قائلين: أيها الرب القائم من الأموات، والمنتصر على الموت، نلتجئ إليك في هذه الأوقات الصعبة التي يعيشها شعب لبنان، نطلب منك السلام والرحمة والمحبة لهذا الوطن الجميل. ألهم قادتنا الحكمة والشجاعة لاتخاذ القرارات الصائبة التي تسهم في بناء مستقبل أفضل لكل أبناء هذا الوطن. ندعوك، اللهم، أن تمنح القوة والصبر لكل من يعاني في لبنان، فتمتد يد العون والمساعدة لكل محتاج. ألهم شعب لبنان الوحدة والتسامح والتعاون لتجاوز التحديات والصعاب. نرجوك يا الله أن تحفظ لبنان من كل شر ومكروه، وترسخ في قلوب أبنائه الحب والوفاء لهذا الوطن العزيز. فلتكن قيامة المسيح القائم من بين الأموات مصدراً للأمل والتجديد للبنان، وأن ينهض هذا الوطن الجميل من قبر اليأس والتخبط نحو حياة جديدة مليئة بالسلام والازدهار والعدالة. المسيح قام! حقا قام!"

وبعد القداس، استقبل المطران ابراهيم المهنئين بالعيد في صالون المطرانية.