العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة منذ أكثر من خمسة أشهر ونصف، يلقي بظلاله الحزينة على رمضان المبارك في المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث تغيب مظاهر البهجة ويعيش أبناؤها تحديات جمّة في ظل الجرائم وحرب الإبادة والتجويع التي ترتكبها "إسرائيل" مع الصمت الدولي والتصعيد العسكري في الجنوب والمخاوف من أن تطال المخيمات بنارها ولهيبها.

ومن التحديات تداعيات الأزمة المعيشية والاقتصادية الخانقة وانعكاساتها مزيدا من الفقر والبؤس، وقد كشفت المديرة العامة لوكالة "الأونروا" في لبنان دوروثي كلاوس، في رسالتها الأخيرة إلى الموظفين ارتفاع ما نسبته إلى 93%، وسط هاجس البحث عن التمويل المالي بعد قرار دول مانحة تعليق مساعداتها المالية بذريعة اتهام 12 موظفا بالمشاركة أو تأييد عملية "طوفان الأقصى".

ومنها هواجس الحفاظ على وكالة "الأونروا" كشاهد حي على نكبة فلسطين وحق العودة في ظل استهدافها وحصارها ماليا بهدف إنهاء عملها وشطب حق العودة، وفي الوقت نفس رفض قرار إدارة "الأونروا" معاقبة موظفين إثنين في لبنان بحجة مخالفة الحيادية والانتماء الوطني.

فقد أطل الشهر الفضيل على المخيمات باهتا وفي القلب غصة، غابت أجواء الزينة والبهجة في غالبيتها وحضرت تداعيات غزّة، يردّد أبناؤها "كيف نفرح ونحن نشاهد ونعيش القتل والدمار والمجاعة تنهك أهلنا في القطاع، أطفال جياع غير قادرين على أكل رغيف خبز، هم صاموا قبلنا بخمسة أشهر ونيف.

وفي عين الحلوة، الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، يضاف إلى كل ذلك مخاوف بين الأوساط الفلسطينية من توسيع دائرة التصعيد العسكري على الجنوب ليصل إليه أو إلى غيره من المخيمات، في ظل اتهامات إسرائيل للقيادي الفتحاوي اللواء منير المقدح بتجنيد العناصر في الضفة الغربيّة لما زعمت بقولها لارتكاب أعمال "إرهابية" والترويج لتهريب وسائل قتالية إيرانية الصنع، ونقل التمويل بطرق متنوعة إلى الخلايا التي جنّدها، يعتقد البعض أنها ذريعة أو مقدمة لاستهدافه.

داخل المخيم تبدو الأجواء كئيبة، وحديث الناس عن غزة من أوله إلى آخره، ويقول أبو أحمد شريدي لـ"النشرة"، "إننا شعب واحد في الداخل والخارج ولذلك تدمع عيوننا وتحترق قلوبنا على إخواننا في غزة الذين يتعرضون للإبادة والمجاعة معا فيما العالم صامت، لذلك رمضان هذا العام يخيم عليه الحزن".

بينما تؤكد الحاجة فاطمة قبلاوي لـ"النشرة"، أن رمضان هذا العام يختلف عن سابقاته، فالموت الإسرائيلي يطارد أبناء غزة حيثما وجدوا وليس باليد حيلة"، قبل أن تضيف "نريد أن ننصرهم بأي شي وأضعف الإيمان جمع التبرعات لمساعداتهم على ظروف الحياة الصعبة في ظل التجويع المقصود".

وبخلاف السنوات الماضية، دعت القوى الفلسطينية واللجان الشعبية إلى تحويل نشاطات رمضان إلى مظهر من مظاهر التضامن مع غزة وشعبها ومقاومتها، وإلى توسعة دائرة التكافل الاجتماعي في هذا الشهر الفضيل لجمع التبرعات بهدف إرسالها للقطاع وتأمين الطعام والشراب وخيم الإيواء ووقود للمستشفيات وآبار المياه، حيث سيجري إدخالها عبر مجموعة من المؤسسات العاملة في الإغاثة.

ويؤكد حسن سرية عبر "النشرة"، انه "رغم كل الجراح والآلام، فالمقاومة في غزة رفعت رؤوسنا عالينا وأعادت الكرامة لكل الأمة، كما أعدت القضية الفلسطينية إلى كل بيت ولسان، النصر يحتاج إلى تضحيات جسام، ولكن ما يحرق قلوبنا هذا الصمت الدولي على الجرائم والتجويع، في هذا الشهر الفضيل ندعو لهم"اللهم بردًا وسلامًا على أهل غزة، اللهم أربط على قلوبهم وآمن من روعتهم وأجبر كسرهم وارحم موتاهم".

ويرى مسؤول "الجبهة الديمقراطية" في عين الحلوة فؤاد عثمان عبر "النشرة"، أن شهر رمضان يأتي هذا العام على شعبنا الفلسطيني وفي القلب منها أهلنا في مخيم عين الحلوة بظروف سياسية واقتصادية معقدة وصعبة جدا لما يتعرض له شعبنا في غزة والضفة من حرب إبادة جماعية، في ظل الصمت الدولي والعربي وانحياز كامل لصالح الاحتلال الصهيوني ترافق ذلك مع الضغط الأميركي الصهيوني على الدول المانحة والدول العربية لوقف التمويل عن وكالة الغوث الأونروا بهدف إنهاء خدماتها بصفتها الشاهد الحي على قضية اللاجئين الفلسطينيين كمقدمة لشطب حق العودة.

ويضيف عثمان "أن هذه الإجراءات زادت من معاناة شعبنا الخدماتية والصحية والتربوية والاقتصادية، ورغم تراجع بعض الدول عن قرارها بوقف التمويل، إلا أن الأزمة الاقتصادية لا زالت موجودة لأنها تحتاج إلى زيادة المساهمة في حجم المبالغ بما ينسجم مع إرتفاع نسبة البطالة والغلاء الفاحش في لبنان بسبب انهيار قيمة العملة اللبنانية.

وتابع أن "هذه الظروف قتلت وجهة الشهر الفضيل لهذا العام وخصوصا شعبنا في غزة يتعرض لحرب إبادة، لذلك يعيش سكان مخيم عين الحلوة حالة من الحزن تضامنا مع شعبنا في غزة على أمل أن يأتي رمضان القادم ويعيش شعبنا في ظروف سياسية واقتصادية أفضل وأن يكون تحقق حق العودة إلى أرض الوطن فلسطين".

بينما يؤكد مسؤول ملف "الأونروا" في حركة "الجهاد" الإسلامي في لبنان جهاد محمد لـ"النشرة"، أن شهر رمضان المبارك هذا العام يأتي على الشعب الفلسطيني بشكل مغاير في ظل حرب إبادة تمارس عليه في قطاع غزة واقتحامات في الضفة الغربية، فإنعكست هذه الظروف على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هذا العام حزنا وهم الذين يشاطرون أبناء شعبهم في غزة الغصة ويترجم ذلك من خلال المسيرات الشبه يومية والوقفات التضامنية التي تحصل في المخيمات الفلسطينية، بالاضافة إلى حملات التبرع لصالحهم وهو ما يؤكد على أننا شعب واحد، لا يستطيع أحد أن يفرقهم أو يفصلهم، إلا أن البطولات التي يسطرها شعبنا ومقاومته في وجه آلة القتل الصهيونية يعطي الأمل لهم بأن عودتهم إلى فلسطين أصبحت أقرب من أي وقت.

وأضاف محمد "ورغم هذه الظروف الحاصلة في غزة بالتحديد إلا أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعانون من أوضاع معيشية صعبة للغاية، جراء استمرار الانهيار الاقتصادي في البلاد، والتي على إثرها ارتفعت نسبة الفقر والعوز والبطالة في صفوفهم إلى أكثر من 90%، إلى جانب ضعف وتراجع القدرة الشرائية لديهم فأصبح تأمين حاجاتهم اليومية يتطلب الكثير من العناء للحصول عليه.

وتابع "كذلك فإن تراجع خدمات وكالة الأونروا وتراجع المساعدات الإنسانية المقدمة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان صعب على العائلات تأمين وتحمل تكاليف السحور والإفطار وشراء المواد الغذائية اللازمة خلال شهر رمضان المبارك. خصوصا وأن هناك حملة ممنهجة من قبل العدو الصهيوني على الأونروا من أجل تصفيتها نتيجة لما تمثله من بعد سياسي لقضية اللاجئين وارتباطها الوثيق بحق عودة اللاجئين لذلك يسعى الكيان الصهيوني بدعم مباشر من الإدارة الأميركية التي أعلنت وقف تمويلها للوكالة مع عدة دول أخرى اعتقادا منهم أنهم تحت الضغط العسكري والإنساني يستطيعون فرض شروطهم وخياراتهم على الشعب الفلسطيني الذي أثبت أنه غير قابل للإنكسار وأنه لن يقبل إلا بفلسطين كاملة مكملة محررة من الاحتلال.

تفاقم الأزمة

من جهة أخرى ما زالت الأزمة بين إدارة الأونروا والقوى السياسية الفلسطينية تتفاقم على خلفية قراري معاقبة الموظفين، مدير ثانوية دير ياسين في مخيّم البص المربي فتح شريف، ومدير المخيم رائف أحمد، بسبب اتّهامهما بمخالفة الحيادية وانتمائهم الوطني.

وفيما لا يلوح بالأفق أي مؤشر على نية تراجع "الأونروا" عن قرارها رغم الوساطة اللبنانية والفلسطينية، دعت المديرة "العامة في لبنان دوروثي كلاوس الموظفين للحفاظ على الحيادية، متحدثة عن تحديات تواجه تمويل "الأونروا" مقابل إرتفاع نسبة الفقر في أوساط اللاجئين في المخيمات، ما يحتم التعاون للحفاظ على الوكالة وحمايتها من الضغوط السياسية المتزايدة.

رغم هذه المؤشرات الإيجابية في تراجع عدد من الدول المانحة تعليق مساعداتها المالية، أكدت كلاوس أنه "لا تزال هناك تحديات كثيرة تنتظرنا، ففي حين أن مجموع 42% من توقعات موازنة 2024 لا يزال معلقا من المانحين حتى اليوم. ومواردنا المالية الحالية ستسمح للوكالة بمواصلة عملياتها حتى شهر أيار، ولذلك فإن التوقعات المالية على المدى المتوسط تظل غير مؤكدة ولا يمكن التنبؤ بها، وستستمر الجهود التي تهدف لإلغاء الوكالة ودور هذه المنظمة في حماية حقوق لاجئي فلسطين.